الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّن ٱلأَحَزَابِ }

قوله: { جُندٌ }: يجوزُ فيه وجهان، أحدُهما: وهو الظاهرُ أنه خبرُ مبتدأ مضمرٍ أي: هم جُنْدٌ. و " ما " فيها وجهان، أحدهما: أنها مزيدةٌ. والثاني: أنَّها صفةٌ لـ " جُنْدٌ " على سبيلِ التعظيم للهُزْءِ بهم أن للتحقير، فإنَّ " ما " الصفة تُستعمل لهذين المعنيين. ومثلُه قولُ امرىءِ القيس:
3850 ـ...........................   وحَديثٌ ما على قِصَرِهْ
وقد تقدَّم هذا في أوائلِ البقرة. و " هنالك " يجوز فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أَنْ يكونَ خبر الجند و " ما " مزيدةٌ و " مَهْزُوم " نعتٌ لـ " جُنْد " ذكره مكيٌّ. الثاني: أَنْ يكون صفةً لـ " جند ". والثالث: أَنْ يكونَ منصوباً بمهزوم. ومَهْزوم يجوزُ فيه أيضاً وجهان، أحدهما: أنه خبرٌ ثانٍ لذلك المبتدأ المقدرِ. والثاني: أنه صفةٌ لـ " جُنْد " إلاَّ أنَّ الأحسنَ على هذا الوجهِ أَنْ لا يُجْعَلَ " هنالك " صفةً بل متعلقاً به، لئلا يَلْزَمَ تقدُّم الوصفِ غيرِ الصريح على الصَّريح. و " هنالك " مشارٌ به إلى موضعِ التقاوُلِ والمجاوزةِ بالكلمات السابقة وهو مكةُ أي: سيُهزمون بمكةَ وهو إخبارٌ بالمغيَّبِ. وقيل: مُشارٌ به إلى نُصرةِ الأصنامِ. وقيل: إلى حَفْرِ الخندقِ يعني: إلى مكانِ ذلك. الثاني من الوجهين الأولين: أَنْ يكونَ " جندٌ " مبتدأ و " ما " مزيدةٌ. و " هنالك " نعتٌ و " مهزوم " خبرُه قاله أبو البقاء. قال الشيخ: " وفيه بُعْدٌ لتفلُّتِه عن الكلامِ الذي قبلَه ". قلت: وهذا الوجهُ المنقولُ عن أبي البقاءِ سبقه إليه مكي.

قوله: " من الأحزاب " يجوزُ أَنْ يكونَ صفةً لـ " جُند " ، وأنْ يكونَ صفةً لـ " مهزومٌ ". وجَوَّزَ أبو البقاء أَنْ يكونَ متعلقاً به. وفيه بُعْدٌ؛ لأنَّ المرادَ بالأحزاب هم المهزومون.