الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ }

وقرأ العامَّةُ " مُطَّلِعُوْنَ " بتشديد الطاءِ مفتوحةً وبفتح النونِ. " فاطَّلَع " ماضياً مبنياً للفاعل، افْتَعَلَ من الطُّلوع.

وقرأ ابنُ عباس في آخرين - ويُرْوَى عن أبي عمروٍ - بسكونِ الطاءِ وفتح النون " فأُطْلِعَ " بقطعِ همزةٍ مضمومةٍ وكسرِ اللامِ ماضياً مبنياً للمفعول. و " مُطْلِعُوْنَ " على هذه القراءةِ يحتمل أَنْ يكونَ قاصراً أي: مُقْبِلون مِنْ قولِك: أَطْلَعَ علينا فلانٌ أي: أَقْبَلَ، وأَنْ يكونَ متعدياً، ومفعولُه محذوفٌ أي: أصحابَكم.

وقرأ أبو البرهسم وعَمَّار بن أبي عمار " مُطْلِعُوْنِ " خفيفةَ الطاء مكسورةَ النونِ، " فَأُطْلِعَ " مبنياً للمفعول. وقد رَدَّ الناسُ - أبو حاتم وغيرُه - هذه القراءةَ من حيث الجمعُ بين النونِ وضميرِ المتكلم؛ إذ كان قياسُها مُطْلِعيَّ، والأصل: مُطْلِعُوْي، فأُبْدِل وأُدْغِمَ نحو: جاء مُسْلِميَّ العاقلون، وقوله عليه السلام " أوَ مُخْرِجِيَّ هم " وقد وَجَّهها ابنُ جني على أنَّه أُجْرِيَ فيها اسمُ الفاعل مُجْرى المضارع، يعني في إثباتِ النونِ فيه مع الضميرِ. وأَنْشَدَ الطبريُّ على ذلك:
3806 ـ وما أَدْري وظَنِّي كلَّ ظنِّ   أمُسْلِمُنِي إلى قومي شُراح
/وإليه نحا الزمخشريُّ قال: " أو شَبَّه اسمَ الفاعلِ في ذلك بالمضارعِ لتآخي بينِهما كأنَّه قال: " يُطْلِعُونِ ". وهو ضعيفٌ لا يقع إلا في شِعْرٍ. وذكر فيه توجيهاً آخر فقال: " أراد مُطْلِعونَ إياي فوضع المتصلَ موضعَ المنفصلِ، كقوله:
3807 ـ هم الفاعلونَ الخيرَ والآمِرُوْنَه   ........................
ورَدَّه الشيخ: بأنَّ هذا ليس مِنْ مواضِع المنفصلِ حتى يَدَّعِيَ أن المتصلَ وَقَعَ موقِعَه. لا يجوز: " هندُ زيدٌ ضاربٌ إياها، ولا زيدٌ ضارِبٌ إياي " قلت: إنما لم يَجُزْ ما ذَكَرَ؛ لأنه إذا قُدِرَ على المتصلِ لم يُعْدَلْ إلى المنفصلِ. ولقائلٍ أَنْ يقولَ: لا نُسَلِّمُ أنه يُقْدَرُ على المتصلِ حالةَ ثبوتِ النونِ والتنوينِ قبل الضميرِ، بل يصيرُ الموضعُ موضعَ الضميرِ المنفصلِ؛ فيَصِحُّ ما قاله الزمخشريُّ. وللنحاةِ في اسمِ الفاعلِ المنونِ قبل ياءِ المتكلمِ نحوَ البيتِ المتقدمِ، وقولِ الآخر:
3808 ـ فهَلْ فتىً مِنْ سَراةِ القَوْمِ يَحْمِلُني   وليس حامِلَني إلاَّ ابنُ حَمَّالِ
وقول الآخر:
3809 ـ وليس بمُعْيِيْنِيْ وفي الناسِ مُمْتِعٌ   صَديقٌ إذا أعْيا عليَّ صديقُ
قولان، أحدُهما: أنَّه تنوينٌ، وأنه شَذَّ تنوينُه مع الضميرِ، وإنْ قلنا: إن الضمير بعده في محلِّ نصبٍ. والثاني: أنه ليس تنويناً، وإنما هو نونُ وقايةٍ. واستدلَّ ابنُ مالكٍ على هذا بقولِه:
وليس بمُعْيِيْني...............   .............................
وبقوله أيضاً:
3810 ـ وليس المُوافِيني لِيُرْفَدَ خائباً   فإنَّ له أَضْعافَ ما كان أمَّلا
ووَجْهُ الدلالةِ من الأول: أنَّه لو كان تنويناً لكان ينبغي أن يحذفَ الياءَ قبلَه؛ لأنه منقوصٌ منونٌ، والمنقوص المنونُ تُحذف ياؤه رفعاً وجَرَّاً لالتقاء الساكِنَيْن.

السابقالتالي
2