الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَ آبَآؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ }

قوله: { أَوَ آبَآؤُنَا }: قرأ ابن عامر وقالون بسكونِ الواوِ على أنَّها " أو " العاطفةُ المقتضيةُ للشكِّ. والباقون بفتحِها على أنها همزةُ استفهامٍ دخلَتْ على واوِ العطفِ. وهذا الخلافُ جارٍ أيضاً في الواقعة. وقد تقدَّم مثلُ هذا في الأعراف في قولِه:أَوَ أَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ } [الأعراف: 98] فمَنْ فتح الواوَ جاز " في آباؤنا " وجهان، أحدهما: أَنْ يكونَ معطوفاً على مَحَلِّ " إنَّ " واسمِها. والثاني: أَنْ يكونَ معطوفاً على الضمير المستترِ في " لَمَبْعوثون " واستغنى بالفصلِ بهمزةِ الاستفهامِ. ومَنْ سَكَّنها تعيَّن فيه الأولُ دون الثاني على قولِ الجمهور لعَدَمِ الفاصل.

وقد أوضح هذا الزمخشريُّ حيث قال: " آباؤنا " معطوفٌ على محل " إنَّ " واسمِها، أو على الضميرِ في " مَبْعوثون ". والذي جَوَّز العطفَ عليه الفصلُ بهمزةِ الاستفهام ". قال الشيخُ: أمَّا قولُه: " معطوفٌ على محلِّ إنَّ واسمها " فمذهبُ سيبويه خلافُه؛ فإنَّ قولَك " إن زيداً قائمٌ وعمروٌ " " عمرٌو " فيه مرفوعٌ بالابتداء وخبرُه محذوفٌ. وأمَّا قولُه: " أو علىالضميرِ في " مبعوثون " إلى آخره فلا يجوزُ أيضاً لأنَّ همزةَ الاستفهامِ لا تدخلُ إلاَّ على الجملِ لا على المفرد؛ لأنه إذا عُطِف/ على المفردِ كان الفعلُ عاملاً في المفرد بوساطة حرفِ العطفِ، وهمزةُ الاستفهام لا يَعْمَلُ ما قبلها فيما بعدها. فقوله: " أو آباؤنا " مبتدأٌ محذوفُ الخَبرِ، تقديرُه: أو آباؤنا مبعوثون، يَدُلُّ عليه ما قبله. فإذا قلتَ: " أقام زيدٌ أو عمرٌو " فعمرٌو مبتدأ محذوفُ الخبرِ لِما ذكرنا ".

قلت: أمَّا الردُّ الأولُ فلا يَلْزَمُ؛ لأنه لا يلتزمُ مذهبَ سيبويه. وأمَّا الثاني فإنَّ الهمزةَ مؤكِّدة للأولى فهي داخلةٌ في الحقيقةِ على الجملةِ، إلاَّ أنه فَصَلَ بين الهمزتين بـ " إنَّ " واسمها وخبرها. يَدُلُّ على هذا ما قاله هو في سورةِ الواقعة، فإنه قال: " دَخَلَتْ همزَةُ الاستفهامِ على حَرْفِ العطفِ. فإنْ قلت: كيف حَسُنَ العطفُ على المضمر " لَمبعوثون " من غيرِ تأكيدٍ بـ " نحن "؟ قلتُ: حَسُنَ للفاصلِ الذي هو الهمزةُ كما حَسُنَ في قولِه:مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا } [الأنعام: 148] لفَصْلِ المؤكِّدة للنفي ". انتهى. فلم يَذْكُرْ هنا غيرَ هذا الوجهِ، وتشبيهَه بقوله: لفَصْلِ المؤكِّدةِ للنفي، لأنَّ " لا " مؤكدةٌ للنفي المتقدِّم بـ " ما ". إلاَّ أنَّ هذا مُشْكِلٌ: بأنَّ الحرفَ إذا كُرِّر للتوكيد لم يُعَدْ في الأمر العام إلاَّ بإعادة ما اتصل به أولاً أو بضميرِه. وقد مضى القولُ فيه. وتحصَّل في رفع " آباؤنا " ثلاثةُ أوجهٍ: العطفُ على محلِّ " إن " واسمِها، العطفُ على الضمير المستكنِّ في " لَمبعوثون " ، الرفعُ على الابتداء، والخبرُ مضمرٌ. والعامل في " إذا " محذوفٌ أي: أنُبْعَثُ إذا مِتْنا. هذا إذا جَعَلْتَها ظرفاً غيرَ متضمنٍ لمعنى الشرطِ. فإنْ جَعَلْتَها شرطيةً كان جوابُها عاملاً فيها أي: أإذا مِتْنا بُعِثْنا أو حُشِرْنا.

وقُرِئ " إذا " دونَ استفهامٍ. وقد مضى القولُ فيه في الرعد.