الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ }

قوله: { نَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ }: نصبٌ على الحالِ، وهي حال مقدرة. قال الشيخ: " إن كان الذَّبيحُ إسحاقَ فيظهر كونُها حالاً مقدرةً، وإنْ كان إسماعيلُ هو الذبيحَ، وكانت هذه البشارةُ بِشارةً بولادة إسحاقَ، فقد جَعَلَ الزمخشريُّ ذلك مَحَلَّ سؤالٍ قال: " فإنْ قلتَ: فرقٌ بين هذا وبين قولِه:فَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ } [الزمر: 73]: وذلك أنَّ المَدْخولَ موجودٌ مع وجودِ الدخول، والخلودُ غيرُ موجودٍ معهما فقدَّرْت: مُقَدِّرين الخلودَ فكان مستقيماً، وليس كذلك المبشَّرُ به، فإنه معدومٌ وقتَ وجودِ البشارةِ، وعَدَمُ المبشَّرُ به أوجَبَ عدمَ حالِه؛ لأن الحالَ حِلْيَةٌ لا تقومُ إلاَّ بالمُحَلَّى، وهذا المبشَّرُ به الذي هو إسحاقُ حين وُجد لم تُوْجَدْ النبوَّةُ أيضاً بوجودِه بل تراخَتْ عنه مدةً طويلةً، فكيف يُجْعل " نبيَّاً " حالاً مقدرةً، والحالُ صفةٌ للفاعلِ والمفعولِ عند وجودِ الفعل منه أو به؟ فالخلودُ وإنْ لم يكنْ صفتَهم عند دخولِ الجنة فتَقدِّرُها صفتَهم؛ لأنَّ المعنى: مقدِّرين الخلودَ وليس كذلك النبوةُ، فإنَّه لا سبيلَ إلى أَنْ تكونَ موجودةً أو مقدرةً وقتَ وجودِ البِشارة بإسحاقَ لعدم إسحاق؟ قلت: هذا سؤالٌ دقيقٌ المَسْلَكِ. والذي يَحِلُّ الإِشكالَ: أنه لا بُدَّ مِنْ تقديرِ مُضافٍ محذوف وذلك قولُه: وبَشَّرْناه بوجودِ إسحاقَ نبياً أي: بأَنْ يُوْجِد مَقْدرةَ نبوَّتِه، فالعاملُ في الحال الوجودُ/ لا فعلُ البشارة وبذلك يَرْجِعُ نظيرَ قولِه تعالى:فَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ } [الزمر: 73]. انتهى. وهو كلامٌ حَسَنٌ.

قوله: " من الصالحين " يجوز أَنْ يكونَ صفةً لـ " نَبِيَّاً " ، وأَنْ يكونَ حالاً من الضمير في " نبيَّاً " فتكونَ حالاً متداخلةً. ويجوزُ أَنْ تكونَ حالاً ثانية. قال الزمخشري: " وُرُوْدُها على سبيلِ الثناءِ والتقريظ؛ لأنَّ كلّ نبيّ لا بُدَّ أَنْ يكونَ من الصالحين ".