الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ يٰوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحْمـٰنُ وَصَدَقَ ٱلْمُرْسَلُونَ }

قوله: { يٰوَيْلَنَا }: العامَّةُ على الإِضافةِ إلى ضمير المتكلمين دون تأنيثٍ. وهو " وَيْل " مضافٌ لِما بعده. ونقل أبو البقاء عن الكوفيين أنَّ " وَيْ " كلمةٌ برأسِها. و " لنا " جارٌّ ومجرور ". انتهى. ولا معنى لهذا إلاَّ بتأويلٍ بعيدٍ: هو أَنْ يكونَ يا عجبُ لنا؛ لأنَّ وي تُفَسَّرُ بمعنى اعجب منا. وابن أبي ليلى: " يا وَيْلتنا " بتاء التأنيث، وعنه أيضاً " يا ويْلتا " بإبدال الياءِ ألفاً. وتأويلُ هذه أنَّ كلَّ واحدٍ منهم يقول: يا ويلتي.

والعامَّةُ على فتح ميم " مَنْ و " بَعَثَنا " فعلاً ماضياً خبراً لـ " مَنْ " الاستفهامية قبلَه. وابن عباس والضحاك، وأبو نهيك بكسر الميم على أنها حرفُ جر. و " بَعْثِنا " مصدرٌ مجرور بـ مِنْ. فـ " مِنْ " الأولى تتعلَّق بالوَيْل، والثانيةُ تتعلَّقُ بالبعث.

والمَرْقَدُ يجوز أَنْ يكونَ مصدراً أي: مِنْ رُقادِنا، وأن يكونَ مكاناً، وهو مفردٌ أُقيم مُقامَ الجمعِ. والأولُ أحسنُ؛ إذ المصدرُ يُفْرَدُ مطلقاً.

قوله: { هَذَا مَا وَعَدَ } في " هذا " وجهان، أظهرهما: أنه مبتدأٌ وما بعده/ خبرُه. ويكونُ الوقفُ تاماً على قوله " مِنْ مَرْقَدِنا ". وهذه الجملةُ حينئذٍ فيها وجهان، أحدهما: أنها مستأنفة: إمَّا من قولِ اللَّهِ تعالى، أو مِنْ قولِ الملائكةِ. والثاني: أنها من كلام الكفارِ فتكون في محلِّ نصب بالقول. والثاني من الوجهين الأولين: " هذا " صفةٌ لـ " مَرْقَدِنا " و " ما وَعَد " منقطعٌ عَمَّا قبله.

ثم في " ما " وجهان، أحدُهما: أنها في محلِّ رفعٍ بالابتداء، والخبرُ مقدرٌ أي: الذي وَعَدَه الرحمنُ وصَدَقَ فيه المرسلون حَقٌّ عليكم. وإليه ذهب الزجَّاج والزمخشري. والثاني: أنه خبرُ مبتدأ مضمرٍ أي: هذا وَعْدُ الرحمن. وقد تقدَّم لك أولَ الكهف: أنَّ حَفْصاً يقف على " مَرْقَدنا " وَقْفةً لطيفةً دونَ قَطْعِ نَفَسٍ لئلا يُتَوَهَّمَ أنَّ اسمَ الإِشارةِ تابعٌ لـ " مَرْقَدِنا ". وهذان الوجهان يُقَوِّيان ذلك المعنى المذكور الذي تَعَمَّد الوقفَ لأجلِه. و " ما " يَصِحُّ أَنْ تكونَ موصولةً اسميةً أو حرفيةً كما تقدَّم تقريرُه. ومفعولا الوعدِ والصدقِ محذوفان أي: وعَدَناه الرحمن وصَدَقَناه المرسلون. والأصل: صَدَقَنا فيه. ويجوز حَذْفُ الخافض وقد تقدَّم لك نحو " صَدَقني سِنَّ بَكْرِهِ " أي في سِنِّه. وتقدَّم قراءتا " صيحة واحدة " نصباً ورفعاً.