الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلأَرْضُ ٱلْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ }

قوله: { وَآيَةٌ }: خبرٌ مقدمٌ و " لهم " صفتُها أو متعلِّقَةٌ بـ " آية " لأنها بمعنى علامة. و " الأرضُ " مبتدأ. وتقدَّم تخفيف الميتة وتشديدُها في أول آل عمران. ومنع الشيخُ أَنْ تكونَ " لهم " صفةً لـ " آية " ولم يُبَيِّن وجهَه ولا وَجَّهَ له. وأعرب أبو البقاء " آية " مبتدأً و " لهم " الخبرُ و " الأرضُ الميتةُ " مبتدأٌ وصفتُه، و " أَحْييناها " خبرُه. والجملةُ مفسِّرَةٌ لـ " آية " وبهذا بدأ ثم قال: وقيل: فذكر الوجهَ الذي بدأْتُ به. وكذلك حكى مكي أعني أَنْ يكونَ " آية " ابتداءً، و " لهم " الخبر. وجَوَّز مكي أيضاً أن تكونَ " آية " مبتدأً و " الأرضُ " خبرُه. وهذا ينبغي أَنْ لا يجوزَ؛ لأنه لا تُعْزَلُ المعرفةُ من الابتداءِ بها، ويُبْتَدأ بالنكرة إلاَّ في مواضعَ للضرورةِ.

قوله: " أَحْيَيْناها " قد تقدَّم أنه يجوزُ أَنْ يكونَ خبرَ " الأرض " ، ويجوزُ أيضاً أَنْ يكونَ حالاً من " الأرض " إذا جَعَلْناها مبتدأً، و " آية " خبرٌ مقدمٌ. وجَوَّزَ الزمخشريُّ في " أَحْيَيْناها " وفي " نَسْلَخُ " أَنْ يكونا صفتين للأرض والليل، وإن كانا مُعَرَّفين بأل لأنه تعريفٌ بأل الجنسيةِ، فهما في قوةِ النكرة قال: كقوله:
3784 ـ ولقد أَمُرُّ على اللئيمِ يَسُبُّني   ............................
لأنه لم يَقْصِدْ لئيماً بعينه.

وردَّه الشيخُ: بأنَّ فيه هَدْماً للقواعد: مِنْ أنه لا تُنْعَتُ المعرفةُ بنكرةٍ. قال: وقد تبعه على ذلك ابنُ مالك. ثم خَرَّج الشيخُ الجملَ على الحال أي: الأرضُ مُحْياةً والليلُ مُنْسَلِخاً منه النهارُ، واللئيمُ شاتماً لي. قلت: وقد اعتبر النحاةُ ذلك في مواضع، فاعتبروا معنى المعرَّفِ بأل الجنسيةِ دونَ لفظِه فوصفوه بالنكرة الصريحةِ نحو: " بالرجلِ خيرٍ منك " على أحد الأوجه، وقوله:إِلاَّ ٱلَّذِينَ } [العصر: 3] بعدإِنَّ ٱلإِنسَانَ } [العصر: 2] وقوله:أَوِ ٱلطِّفْلِ ٱلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ } [النور: 31] و " أهلك الناسَ الدينارُ الحمرُ والدرهمُ البيض ". كلُ هذا رُوعي فيه المعنى دونَ اللفظ، وإن اختلف نوعُ المراعاةِ. ويجوز أن يكون " أحييناها " استئنافاً بَيَّن به كونَها آية.