قوله: { أَرَأَيْتُمْ }: فيها/ وجهان، أحدهما: أنها ألفُ استفهامٍ على بابِها، ولم تتضمَّنْ هذه الكلمةُ معنى أَخْبِروني، بل هو استفهامٌ حقيقيٌّ. وقوله: " أَرُوْني " أمرُ تَعْجيزٍ. والثاني: أنَّ الاستفهامَ غيرُ مُرادٍ، وأنها ضُمِّنَتْ معنى أَخْبروني. فعلى هذا تتعدَّى لاثنين، أحدُهما: " شركاءَكم " ، والثاني: الجملةُ الاستفهاميةُ مِنْ قولِه: " ماذا خَلَقوا ". و " أَرُوْني " يُحتمل أَنْ تكونَ جملةً اعتراضيةً. الثاني: أَنْ تكونَ المسألةُ مِنْ بابِ الإِعمالِ، فإنَّ " أَرَأَيْتُمْ " يطلبُ " ماذا خَلَقُوا " مفعولاً ثانياً، و " أَرُوْني " أيضاً يطلبُه مُعَلِّقاً له، وتكونُ المسألةُ مِنْ بابِ إعمال الثاني على مختار البصريين، و " أَروني " هنا بَصَرِيَّةٌ تعدَّتْ للثاني بهمزةِ النقلِ، والبصَريةُ قبل النقلِ تُعَلَّقُ بالاستفهامِ كقولِهم: " أما ترى أيُّ بَرْقٍ ههنا "؟ وقد تقدَّم الكلامُ على " أَرَأَيْتُمْ " هذه في الأنعامِ مشبعاً. وقال ابنُ عطية هنا: " إنَّ أرأيتُمْ يَتَنَزَّلُ عند سيبويهِ مَنْزِلةَ أَخْبروني؛ ولذلك لا يَحْتاج إلى مَفْعولين ". وهو غَلَطٌ بل يَحْتاجُ كما تقدَّم تقريرُه. وجَعَلَ الزمخشريُّ الجملةَ مِنْ قولِه: " أَرُوْني " بدلاً مِنْ قولِه " أَرَأَيْتُمْ " قال: " لأنَّ معنى أَرَأَيْتُمْ أَخْبروني ". وردَّه الشيخ: بأنَّ البدلَ مِمَّا دَخَلَتْ عليه أداةُ الاستفهامِ يَلْزَم إعادتُها في البدلِ ولم تُعَدْ هنا. وأيضاً فإبدالُ جملةٍ مِنْ جملةٍ لم يُعْهَدْ في لسانِهم. قلت: والجوابُ عن الأولِ: أنَّ الاستفهامَ فيه غيرُ مرادٍ قطعاً فلم تَعُدْ أداتُه لعدمِ إرادتِه. وأمَّا قولُه: " لم يُوْجَد في لسانِهم " فقد وُجِدَ. ومنه:
3770 ـ متى تَأْتِنا تُلْمِمْ بنا...............
............................
البيت. [وقولُه:]
ـ إنَّ عليَّ اللَّهَ أن تُبايِعا
تُؤْخَذَ كَرْهاً........................
البيت. وقد نَصَّ النَّحْوِيون: على أنَّه متى كانت الجملةُ في معنى الأولِ ومُبَيِّنةً لها أُبْدِلَتْ منها. قوله: { فَهُمْ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ } الضميرُ في " آتَيْناهم " و " فهم " الأحسنُ أَنْ يعودَ على الشركاء لتتناسَقَ الضمائرُ. وقيل: يعودُ على المشركين، فيكونُ التفاتاً مِنْ خطابٍ إلى غَيْبة. وقرأ أبو عمروٍ وحمزةُ وابن كثير وحفصٌ " بَيِّنَةٍ " بالإِفراد. والباقون " بَيِّناتٍ " بالجمع. و " إنْ " في " إنْ يَعِدُ " نافيةٌ.