الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ }

قوله: { مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ }: مختلفٌ نعتٌ لمنعوتٍ محذوف هو مبتدأ، والجارُّ قبلَه خبرُه، أي: من الناس صِنْفٌ أو نوعٌ مختلفٌ؛ وكذلك عملُ اسمِ الفاعلِ كقولِ الشاعر:
3768- كناطِحٍ صَخْرَةً يوماً لِيَفْلِقَها   ......................
وقرأ ابن السَّميفع " ألوانُها " وهو ظاهرٌ. وقرأ الزهري " والدوابُ " خفيفةَ الباءِ فِراراً مِنْ التقاء الساكنين، كما حُرِّك أولُهما في " الضألِّين " و " جأنّ ".

قوله: " كذلك " فيه وجهان، أظهرهما: أنه متعلِّقٌ بما قبله أي: مختلفٌ اختلافاً مثلَ الاختلافِ في الثمرات والجُدَدِ. والوقفُ على " كذلك ". والثاني: أنه متعلِّقٌ بما بعده، والمعنى: مثلَ ذلك/ المطرِ والاعتبارِ في مخلوقات الله تعالى واختلافِ ألوانِها يَخْشَى اللَّهَ العلماءُ. وإلى هذا نحا ابن عطية وهو فاسدٌ من حيث إنَّ ما بعد " إنَّما " مانِعٌ من العمل فيما قبلها، وقد نَصَّ أبو عُمر الداني على أنَّ الوقفَ على " كذلك " تامٌّ، ولم يَحْكِ فيه خِلافاً.

قوله: { إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ } العامَّةُ على نصب الجلالة ورفع " العلماءُ " وهي واضحةٌ. وقرأ عمرُ بن عبد العزيز وأبو حنيفةَ فيما نقل الزمخشريُّ وأبو حيوةَ - فيما نَقَلَ الهذليُّ في كامله - بالعكس، وتُؤُوِّلت على معنى التعظيم، أي: إنما يُعَظِّمُ اللَّهُ مِنْ عبادِه العلماءَ. وهذه القراءة شبيهةٌ بقراءة { وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ } [البقرة: 124] برفع " إبراهيم " ونصب " رَبَّه " وقد تقدَّمَتْ.