الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ ٱلْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ }

قوله: { فَأَخْرَجْنَا }: هذا التفاتٌ من الغَيْبةِ إلى التكلم. وإنما كان ذلك لأنَّ المِنَّةَ بالإِخراج أبلغُ من إنزال الماءِ. و " مختلفاً " نعتٌ لـ " ثمرات " ، و " ألوانُها " فاعلٌ به، ولولا ذلك لأنَّث " مختلفاً " ، ولكنه لمَّا أُسْند إلى جمعِ تكسيرٍ غيرِ عاقلٍ جاز تذكيرُه، ولو أنَّثَ فقيل: مختلفة، كما تقول: اختلفَتْ ألوانُها لجازَ، وبه قرأ زيد بن علي.

قوله: { وَمِنَ ٱلْجِبَالِ جُدَدٌ } العامَّةُ على ضمِّ الجيمِ وفتح الدالِ، جمعَ " جُدَّة " وهي الطريقةُ. قال ابن بحر: " قِطَعٌ، مِنْ قولك: جَدَدْت الشيءَ قَطَعْتُه ". وقال أبو الفضل: " هي ما تخالَفَ من الطرائق لونُ ما يليها، ومنه جُدَّة الحِمارِ للخَطِّ الذي في ظهرِه. وقرأ الزهري " جُدُد " بضم الجيم والدال جمع جَدِيْدَة، يقال: جديدة وجُدُد وجَدائد. قال أبو ذُؤيب:
3765 ـ........................   جَوْنُ السَّراةِ له جَدائدُ أربعُ
نحو: سفينة وسُفُن وسفائِن. وقال أبو الفضل: " جمع جديد بمعنى آثار جديدة واضحة الألوان ". وعنه أيضاً جَدَد بفتحهما. وقد رَدَّ أبو حاتمٍ هذه القراءةَ من حيثُ الأثرُ والمعنى، وقد صَحَّحهما غيرُه. وقال: الجَدَدُ: الطريق الواضح البيِّن، إلاَّ أنه وضع المفرَد موضعَ الجمعِ؛ إذ المرادُ الطرائقُ والخطوطُ.

قوله: " مختلِفٌ ألوانُها " " مختلف " صفةٌ لـ " جُدَد " أيضاً. و " ألوانُها " فاعلٌ به كما تقدَّم في نظيره. ولا جائزٌ أَنْ يكونَ " مختلفٌ " خبراً مقدماً، و " ألوانُها " مبتدأٌ مؤخرٌ، والجملةُ صفةٌ؛ إذ كان يجبُ أَنْ يُقال: مختلفةٌ لتحمُّلِها ضميرَ المبتدأ. وقوله:/ " ألوانُها " يحتمل معنيين، أحدهما: أنَّ البياضَ والحمرةَ يتفاوتان بالشدة والضعفِ فرُبَّ أبيضَ أشدُّ من أبيضَ، وأحمرَ أشدُّ مِنْ أحمرَ، فنفسُ البياضِ مختلفٌ، وكذلك الحمرةُ، فلذلك جَمَع " ألوانها " فيكونُ من باب المُشَكَّل. الثاني: أن الجُدَدَ كلَّها على لونين: بياضٍ وحُمْرَةٍ، فالبياضُ والحُمْرَةُ وإنْ كانا لونَيْن إلاَّ أنهما جُمِعا باعتبارِ مَحالِّهما.

وقوله: " وغَرابيبُ سُوْدٌ " فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: أنه معطوفٌ على " حمرٌ " عَطْفَ ذي لون على ذي لون. الثاني: أنه معطوفٌ على " بِيضٌ ". الثالث: أنه معطوفٌ على " جُدَدٌ ". قال الزمخشري: " معطوف على " بيض " أو على " جُدَد " ، كأنه قيل: ومن الجبالِ مخططٌ ذو جُدَد، ومنها ما هو على لونٍ واحد " ثم قال: " ولا بُدَّ من تقديرِ حذفِ المضافِ في قوله: { وَمِنَ ٱلْجِبَالِ جُدَدٌ } بمعنى: ومن الجبالِ ذو جُدَدٍ بيضٍ وحمرٍ وسُوْدٍ، حتى يَؤُول إلى قولِك: ومن الجبالِ مختلفٌ ألوانها، كما قال: { ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا }.

السابقالتالي
2