الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ }

قوله: { وَازِرَةٌ }: أي: نفسٌ وازِرَةٌ، فحذف الموصوفَ للعِلْم [به]. ومعنى تَزِرُ: تَحْمِلُ أي: لا تحملُ نَفْسٌ حامِلَةٌ حِمْلَ نفسٍ أخرى.

قوله: { وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ } أي: نفسٌ مُثْقَلَةٌ بالذنوب نفساً إلى حِمْلِها. فحذف المفعولَ به للعِلْم به. والعامَّةُ " لا يُحْمَلُ " مبنياً للمفعولِ و " شيءٌ " قائمٌ مَقامَ فاعلِه. وأبو السَّمَّال وطلحة - وتُرْوى عن الكسائي - بفتح التاءِ مِنْ فوقُ وكسرِ الميم. أَسْنَدَ الفعلَ إلى ضميرِ النفسِ المحذوفةِ التي جعلها مفعولةً لـ " تَدْعُ " أي: لا تَحْمِل تلكَ النفسُ المدعوَّةُ. " شيئاً " مفعولٌ بـ " لا تَحْمِل ".

قوله: { وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ } [أي:] ولو كان المَدْعُوُّ ذا قُرْبى. وقيل: التقديرُ: ولو كان الداعِي ذا قُرْبى. والمعنيان حسنان. وقُرِئ " ذو " بالرفعِ، على أنها التامَّةُ أي: ولو حَضَرَ/ ذو قُرْبى نحو: " قد كان مِنْ مطْر " ،وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ } [البقرة: 280]. قال الزمخشري: " ونَظْمُ الكلامِ أحسن ملاءَمةً للناقصةِ؛ لأنَّ المعنى: على أنَّ المُثْقَلَةَ إذا دَعَتْ أحداً إلى حِمْلِها لا يُحْمَلُ منه شيءٌ، ولو كان مَدْعُوُّها ذا قُرْبى، وهو مُلْتَئِمٌ. ولو قلت: ولو وُجِد ذو قُرْبى لخَرَج عن التئامِه ". قال الشيخ: " وهو ملْتَئِمٌ على المعنى الذي ذكَرْناه ". قلت: والذي قاله هو " أي: ولو حَضَرَ إذ ذاك ذُو قربى " ثم قال: " وتفسيرُ الزمخشريِّ " كان " - وهو مبنيٌّ للفاعل " يُوْجَدُ " وهو مبنيٌّ للمفعول - تفسيرُ معنى، والذي يفسِّر النحويُّ به " كان " التامَّةَ هو حَدَث وحَضَر ووقَعَ ".

قوله: بالغَيْب " حالٌ من الفاعل أي: يَخْشَوْنه غائبين عنه، أو من المفعول أي: غائباً عنهم.

قوله: " ومَنْ تَزَكَّى " قرأ العامَّةُ " تَزَكَّى " تَفَعَّل، " فإنما يَتَزَكَّى " يتفعَّل. وعن أبي عمروٍ " ومَنْ يَزَّكِّى " " فإنما يَزَّكَّى " والأصلُ فيهما: يَتَزَكَّى فأُدْغِمَتْ التاءُ في الزايِ كما أُدْغِمت في الذال نحو: " يَذَّكَّرون " في " يتذكَّرون " وابنُ مَسْعود وطلحة " ومَنْ ازَّكَّى " والأصلُ: تَزَكَّى فَأُدْغِمَ باجتلابِ همزةِ الوصلِ، " فإنما يَزَّكَّى " أصلُه يَتَزَكَّى فأُدْغِمَ، كأبي عمروٍ في غيرِ المشهورِ عنه.