الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَٱلَّذِينَ يَمْكُرُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ }

قوله: { مَن كَانَ يُرِيدُ }: شرطٌ جوابُه مقدرٌ، ويختلف تقديرُه باختلافِ التفسير في قوله: { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ } فقال مجاهد: " معناه مَنْ كان يريد العزَّةَ بعبادةِ الأوثان، فيكونُ تقديرُه: فَلْيَطْلبها ". وقال قتادة: " مَنْ كان يريد العزَّة وطريقه القويم ويحب نيْلَها على وجهِها، فيكون تقديره على هذا: فليطلبها ". وقال الفراء: " من كان يريد عِلمَ العزة، فيكون التقدير: فليَنْسُبْ ذلك إلى الله تعالى ". وقيل: مَنْ كان يريد العزة التي لا تَعْقُبها ذِلَّةٌ، فيكونُ التقديرُ: فهو لا يَنالُها. ودَلَّ على هذه الأجوبةِ قولُه: " فَلِلَّهِ العِزَّةُ " وإنما قيل: إن الجوابَ محذوفٌ، وليس هو هذه الجملةَ لوجهين، أحدهما: أنَّ العزَّةَ لله مطلقاً، مِنْ غيرِ ترتُّبِها على شرطِ إرادةِ أحدٍ. الثاني: أنَّه لا بُدَّ في الجواب مِنْ ضميرٍ يعودُ على اسم الشرط، إذا كان غيرَ ظرف، ولم يُوْجَدْ هنا ضميرٌ. و " جميعاً " حالٌ، والعاملُ فيها الاستقرارُ.

قوله: " إليه يَصْعَدُ " العامَّةُ على بنائِه للفاعل مِنْ " صَعِد " ثلاثياً، " الكَلِمُ الطيِّبُ " برفعِهما فاعِلاً ونعتاً. وعلي وابن مسعود " يُصْعِدُ " مِنْ أَصْعَدَ، " الكلمَ الطيبَ " منصوبان على المفعولِ والنعت. وقُرئ " يُصْعَدُ " مبنيَّاً للمفعول. وقال ابنُ عطية: " قرأ الضحَّاك " يُصْعد " بضم الياء " لكنه لم يُبَيِّن كونَه مبنيَّاً للفاعلِ أو للمفعول.

قوله: " والعملُ الصالحُ " العامَّةُ على الرفعِ. وفيه وجهان، أحدهما: أنَّه معطوفٌ على " الكلمُ الطيبُ " فيكون صاعداً أيضاً. و " يَرْفَعُه " على هذا استئنافُ إخبارٍ من اللَّهِ تعالى بأنه يرفعُهما، وإنِّما وُحِّد الضميرُ، وإنْ كان المرادُ الكَلِمَ والعملَ ذهاباً بالضميرِ مَذْهَبَ اسمِ الإِشارة، كقوله:عَوَانٌ بَيْنَ ذٰلِكَ } [البقرة: 68]. وقيل: لاشتراكِهما في صفةٍ واحدةٍ، وهي الصعودُ. والثاني: أنه مبتدأٌ، و " يرفَعُه " الخبرُ، ولكن اختلفوا في فاعل " يَرْفَعُه " على ثلاثةِ أوجهٍ، أحدُها: أنه ضميرُ اللَّهِ تعالى أي: والعملُ الصالحُ يرفعه اللَّهُ إليه. والثاني: أنه ضميرُ العملِ الصالحِ. وضميرُ النصبِ على هذا فيه وجهان، أحدُهما: أنه يعودُ على صاحب العمل، أي يَرْفَعُ صاحبَه. والثاني: أنه ضميرُ الكلمِ الطيبِ أي: العمل الصالح يرفع الكلمَ الطيبَ. ونُقِلَ عن ابن عباس. إلاَّ أنَّ ابنَ عطية منع هذا عن ابن عباس، وقال: " لا يَصِحُّ؛ لأنَّ مَذْهَبَ أهلِ السنَّة أنَّ الكلمَ الطيبَ مقبولٌ، وإنْ كان صاحبُه عاصياً ". والثالث: أنَّ ضميرَ الرفعِ للكَلِمِ، والنصبِ للعملِ، أي: الكَلِمُ يَرْفَعُ العملَ.

وقرأ ابن أبي عبلة وعيسى بنصبِ " العمل الصالح " على الاشتغالِ، والضميرُ المرفوعُ للكلم أو للَّهِ تعالى، والمنصوبُ للعملِ.

السابقالتالي
2