الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ ٱلْحَقَّ وَيَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ }

قوله: { وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ }: فيه وجهان، أحدهما: أنه عطفٌ على " ليَجْزِيَ " قال الزمخشري: " أي: وليعلمَ الذين أُوتُوا العِلْمَ عند مجيءِ الساعة ". قلت: إنما قَيَّده بقولِه: " عند مجيءِ السَّاعةِ " لأنه عَلَّق " ليجزيَ " بقوله: " لتأتينَّكم "؛ فبنى هذا عليه، وهو من أحسنِ ترتيب. والثاني: أنه مستأنَفٌ أخبر عنهم بذلك، و " الذي أُنْزِلَ " هو المفعول الأولُ و " هو " فصلٌ و " الحقَّ " مفعولٌ ثانٍ؛ لأنَّ الرؤيةَ عِْلمية.

وقرأ ابن أبي عبلة " الحقُ " بالرفع على أنه خبرُ " هو ". والجملةُ في موضعِ المفعول الثاني وهو لغةُ تميمٍ، يجعلون ما هو فصلٌ مبتدأً، و " مِنْ رَبِّك " حالٌ على القراءتين.

قوله: " ويَهْدِي " فيه أوجهٌ، أحدها: أنه مستأنفٌ. وفي فاعله احتمالان، أظهرهما: أنه ضميرُ الذي أُنْزِل. والثاني: ضميرُ اسمِ الله ويَقْلَقُ هذا لقولِه إلى صراط العزيز؛ إذ لو كان كذلك لقيل: إلى صراطه. ويُجاب: بأنه مِنْ الالتفاتِ، ومِنْ إبرازِ المضمر ظاهراً تنبيهاً على وَصْفِه بها بين الصفتين.

الثاني من الأوجه المتقدمة: أنه معطوفٌ/ على موضع " الحقَّ " و " أَنْ " معه مضمرةٌ تقديره: هو الحقَّ والهداية.

الثالث: أنه عطفٌ على " الحق " عطفُ فعلٍ على اسم لأنه في تأويلِه كقوله تعالى:صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ } [الملك: 19] أي: وقابضاتٍ، كما عُطِفَ الاسمُ على الفعلِ لأن الفعلَ بمعناه.

كقول الشاعر:
3715 ـ فأَلْفَيْتُه يوماً يُبير عدوَّه   وبحرَ عطاءٍ يستخِفُّ المعابرا
كأنه قيل: ولِيَروْه الحقَّ وهادياً.

الرابع: أنَّ " ويَهْدي " حالٌ من " الذي أُنْزِل " ، ولا بُدَّ من إضمارِ مبتدأ أي: وهو يَهْدي نحو:
3716 ـ...............................   نَجَوْتُ وأَرْهَنُهُمْ مالِكا
وهو قليلٌ جداً.