الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ }

قوله: { وَحِيلَ }: قد تقدَّمَ فيه الإِشمامُ والكسر أولَ البقرة والقائمُ مقامَ الفاعلِ ضميرُ المصدرِ أي: وحِيْلَ هو أي الحَوْلُ. ولا تُقَدِّره مصدراً مؤكَّداً بل مختصاً حتى يَصِحَّ قيامُه. وجَعَلَ الحوفيُّ القائمَ مقامَ الفاعلِ " بينهم " واعْتُرِض عليه: بأنه كان ينبغي أن يُرْفَعَ. وأُجيب عنه بأنَّه إنما بُني على الفتح لإِضافتِه إلى غير متمكنٍ. ورَدَّه الشيخُ: بأنه لا يُبْنى المضافُ إلى غيرِ متمكنٍ مطلقاً، فلا يجوز: " قام غلامَك " ولا " مررتُ بغلامَك " بالفتح. قلت وقد تقدَّم في قولِه:لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ } [الأنعام: 94] ما يُغْنِيْنا عن إعادتِه هنا/. ثم قال الشيخ: " وما يقولُ قائلُ ذلك في قولِ الشاعر:
3756 ـ...........................   وقد حِيْلَ بين العَيْرِ والنَّزَوانِ
فإنه نصب " بين " مضافةً إلى مُعْربٍ. وخُرِّجَ أيضاً على ذلك قولُ الآخر:
3757 ـ وقالَتْ متى يُبْخَلُ عليك ويُعْتَلَلْ   يَسُؤْكَ وإن يُكشَفْ غرامُك تَدْرَبِ
أي: يُعْتَلَلْ هو أي الاعتلال ".

قوله: " مِنْ قبلُ " متعلِّقٌ بـ " فُعِل " أو " بأشياعهم " أي: الذين شايَعوهم قبلَ ذلك الحينِ.

قوله: " مُريب " قد تقدَّم أنه اسمُ فاعلٍ مِنْ أراب أي: أتى بالرَّيْب، أو دخل فيه، وأَرَبْتُه أي: أوقعتَه في الرِّيْبَة. ونسبةُ الإِرابةِ إلى الشكِّ مجازٌ. وقال الزمخشري هنا: " إلاَّ أنَّ ههنا فُرَيْقاً: وهو أنَّ المُريبَ من المتعدِّي منقولٌ مِمَّن يَصِحُّ أَنْ يكونَ مُريباً، من الأعيان، إلى المعنى، ومن اللازمِ منقولٌ من صاحبِ الشكِّ إلى الشَّكِّ، كما تقول: شعرٌ شاعرٌ " وهي عبارةٌ حسنةٌ مفيدةٌ. وأين هذا مِنْ قولِ بعضِهم: " ويجوز أَنْ يكونَ أَرْدَفَه على الشَّكِّ، ليتناسَقَ آخرُ الآية بالتي قبلَها مِنْ مكانٍ قريبٍ ". وقولُ ابنِ عطية: " المُريبُ أَقْوى ما يكون من الشكِّ وأشدِّه ". وقد تقدَّم تحقيقُ الرَّيْب أولَ البقرةِ وتشنيعُ الراغب على مَنْ يُفَسِّره بالشَّك.