الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ وَمَا بَلَغُواْ مِعْشَارَ مَآ ءَاتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُواْ رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ }

قوله: { وَمَا بَلَغُواْ } الظاهرُ أن الضميرُ في " بَلَغُوا " وفي " آتيناهم " للذين مِنْ قبلهم ليناسِقَ قوله: " فكذَّبُوا رُسُلي " بمعنى: أنهم لم يَبْلُغوا في شُكْر النِّعْمَة وجزاءِ المِنَّةِ مِعْشارَ ما آتيناهم من النعمِ والإِحسانِ إليهم. وقيل: بل ضميرُ الرفع لقريشٍ والنصبِ للذين مِنْ قبلهم، وهو قولُ ابنِ عباس على معنى أنهم كانوا أكثرَ أموالاً. وقيل: بالعكس على معنى: إنَّا أَعْطَيْنا قريشاً من الآياتِ والبراهينِ ما لم نُعْطِ مَنْ قبلَهم.

واخْتُلِفَ في المِعْشار فقيل: هو بمعنى العُشْرِ، بنى مِفْعال مِنْ لفظِ العُشْر كالمِرْبَاع، ولا ثالثَ لهما من ألفاظِ العدد لا يقال: مِسْداسَ ولا مِخْماس. وقيل: هو عُشْرُ العُشْرِ. إلاَّ أنَّ ابنَ عطيَّة أنكره وقال: " ليس بشيء ". وقال الماوردي: " المِعْشارُ هنا: هو عُشْرُ العُشَيْرِ، والعُشَيْرُ هو عُشْرُ العُشْر، فيكون جزءاً من ألفٍ ". قال: " وهو الأظهرُ؛ لأنَّ المرادَ به المبالغةَ في التقليل ".

قوله: " فَكَذَّبوا " فيه وجهان، أحدُهما: أنه معطوف على { كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ }. والثاني: أنه معطوف على " وما بَلَغُوا " وأوضحَهما الزمخشريُّ فقال: " فإنْ قُلْتَ: ما معنى " فكذَّبُوا رُسُلي " وهو مستغنى عنه بقوله: { وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ }؟ قلت: لمَّا كان معنى قولِه: { وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ }: وفَعَلَ الذين مِنْ قبلِهم التكذيبَ، وأَقْدَمُوا عليه جُعِلَ تكذيبُ الرسلِ مُسَبَّباً عنه. ونظيرُه أَنْ يقولَ القائلُ: أقدمَ فلانٌ على الكفر فَكَفَرَ بمحمدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم. ويجوزُ أَنْ يُعْطَفَ على قَولِه: " وما بَلَغوا " كقولك: ما بلغ زيدٌ مِعْشارَ فضل عمروٍ فتَفَضَّلَ عليه ".

و " نَكير " مصدرٌ مضافٌ لفاعِله أي: إنكاري. وتقدَّمَ حَذْفُ يائِه وإثباتُها.