الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَعْرَضُواْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ ٱلْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ }

قوله: { سَيْلَ ٱلْعَرِمِ }: فيه أوجهٌ، أحدها: أنه من باب إضافةِ الموصوفِ لصفتِه في الأصلِ، إذ الأصلُ: السَّيْلُ العَرِمُ. والعَرِمُ: الشديدُ. وأصله مِنَ العَرامَةِ، وهي الشَّراسَةُ والصعوبةُ. وعَرِمَ فلانٌ فهو عارِمٌ وعَرِمٌ. وعُرامُ الجيش منه. الثاني: أنه من بابِ حَذْفِ الموصوفِ وإقامة صفتِه مُقامه. تقديرُه: فأَرْسَلْنا عليهم سَيْلَ المطرِ العَرِم أو الجُرذ العرم أي الشديد الكثير. الثالث: أنَّ العَرِمَ اسمٌ للبناءِ الذي يُجْعَلُ سَدَّاً. وأُنْشد:
3737 ـ مِنْ سبأ الحاضرينَ مَأْرِبَ إذْ   يَبْنُون مِنْ دونِ سَيْلِه العَرِما
أي البناء القويُّ. الرابع: أنَّ العَرِمَ اسمٌ للوادي الذي كان فيه الماءُ نفسُه. الخامس: أنه اسمٌ للجُرَذِ وهو الفَأْر. قيل: هو الخُلْدُ. وإنما أُضيفَ إليه لأنه تَسَبَّبَ عنه إذ يُرْوى في التفسيرِ: أنه قَرَضَ السِّكْرَ إلى أن انفتح عليهم فغرِقوا به. وعلى هذه الأقوال الثلاثةِ تكون الإِضافةُ إضافةً صحيحةً مُعَرِّفة نحو: غلام زيد أي: سيل البناء، أو سيل الوادي الفلاني، أو سيلُ الجُرَذِ. وهؤلاء هم الذين ضَرَبَتْ بهم العربُ في المثل للفُرْقةِ فقالوا: " تَفَرَّقوا أَيْدِي سبأ وأيادي سبأ ".

قوله " " بجنَّتَيْهم جَنَّتَيْن " قد تقدَّم في البقرة أن المجرورَ بالباء هو الخارج، والمنصوبَ هو الداخلُ؛ ولهذا غَلِط مَنْ قال من الفقهاء: " فلو أبدل ضاداً بظاءٍ بَطَلَتْ صلاتُه " بل الصواب أَنْ يُقال: ظاءً بضادٍ.

قوله: " أُكُلٍ خَمْطٍ " قرأ أبو عمرو على إضافة " أُكل " غير المضاف إلى " خَمْط ". والباقون بتنوينه غيرَ مضافٍ وقد تقدم في البقرةِ أنَّ ابنَ عامرٍ وأبا عمرو والكوفيين يضمون كاف " أكل " غير المضاف لضمير المؤنثةِ، وأن نافعاً وابن كثير يُسَكِّنونها بتفصيل هناك تقدَّمَ تحريرُه، فيكونُ القرَّاءُ هنا على ثلاثِ مراتبَ، الأولى: لأبي عمروٍ " أُكُلِ خَمْط " بضم كاف " أُكُلٍ " مضافاً لـ " خَمْطٍ ". الثانية: لنافعٍ وابن كثير تسكينُ كافِه وتنوينِه. الثالثة: للباقين ضَمُّ كافِه وتنوينه. فَمَنْ أضافَ جَعَلَ " الأكل " بمعنى الجنى والثمر. والخَمْطُ قيل: شجرُ الأَراك. وقيل: كلُّ شجرٍ ذي شَوْكٍ. وقيل: كلُّ نَبْتٍ أَخَذَ طعماً مِنْ مرارة. وقيل: شجرةٌ لها ثَمَرٌ تشبه الخَشْخاشَ لا يُنْتَفَعُ به.

قوله: { وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ } معطوفان على " أُكُل " لا على " خَمْط " لأنَّ الخَمْطَ لا أُكُلَ له. وقال مكي: " لَمَّا لم يَجُزْ أَنْ يكونَ الخمطُ نعتاً للأكل؛ لأنَّ الخَمْطَ اسمُ شجرٍ بعينه، ولا بدلاً لأنه ليس الأولَ ولا بعضَه، وكان الجنى والثمرُ من الشجر، أُضيف على تقدير " مِنْ " كقولِك: هذا ثوبُ خَزّ ". ومَنْ نَوَّنَ جَعَلَ خَمْطاً وما بعدَه: إمَّا صفةً لأُكُل.

السابقالتالي
2