الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوۤاْ أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقْتِيلاً }

قوله: { مَّلْعُونِينَ }: حالٌ مِنْ فاعل " يُجاوِرونك " قاله ابن عطية والزمخشري وأبو البقاء. قال ابن عطية: " لأنه بمعنى يَنْتَفُوْن منها ملعونين ". وقال الزمخشري: " دَخَلَ حرفُ الاستثناء على الحالِ والظرفِ معاً كما مَرَّ في قوله:إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ } [الأحزاب: 53]. قلت: وقد تقدَّم بحثُ الشيخِ معه وهو عائدٌ هنا. وجَوَّزَ الزمخشريُّ أَنْ ينتَصِبَ على الشتمِ. وجَوَّز ابنُ عطية أَنْ يكونَ بدلاً مِنْ " قليلاً " على أنه حال كما تقدَّم تقريرُه. ويجوزُ أَنْ يكونَ " مَلْعونين " نعتاً لـ " قليلاً " على أنه منصوبٌ على الاستثناءِ مِنْ واو " يُجاوِرُوْنَك " كما تقدَّم تقريرُه. أي: لا يُجاورُك منهم أحدٌ إلاَّ قليلاً ملعوناً. ويجوز أَنْ يكونَ منصوباً بـ " أُخِذُوا " الذي هو جوابُ الشرطِ. وهذا عند الكسائيِّ والفراء فإنهما يُجيزان تقديمَ معمولِ الجواب على أداةِ الشرط نحو: " خيراً إْن تَأْتِني تُصِبْ ".

وقد منع الزمخشريُّ ذلك فقال: " ولا يَصِحُّ أنْ ينتصِبَ بـ " أُخِذُوا " لأنَّ ما بعد كلمة الشرطِ لا يَعْمل فيما قبلَها ". وهذا منه مَشْيٌ على الجادَّةِ. وقوله: " ما بعد كلمةِ الشرط " يشملُ فعلَ الشرطِ والجوابِ. فأمَّا الجوابُ فتقدَّم حكمُه، وأمَّا الشرطُ فأجاز الكسائيُّ أيضاً تقديمَ معمولِه على الأداة نحو: " زيداً إنْ تَضْرِبْ أُهِنْكَ ". فتلخَّص في المسألة ثلاثةُ مذاهبَ: المَنعُ مطلقاً، الجوازُ مطلقاً، التفصيلُ: يجوز تقديمُه معمولاً للجواب، ولا يجوزُ تقديمُه معمولاً للشرط، وهو رأيُ الفرَّاء.

قوله: " وقُتِّلوا " العامَّةُ على التشديد. وقُرِئ بالتخفيف. وهذه يَرُدُّها مجيءُ المصدرِ على التَّفْعيل إلاَّ أَنْ يُقالَ: جاء على غيرِ صَدْرِه. وقوله: " سُنَّةُ اللَّهِ " قد تقدَّم نظيرها.