الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً }

قوله: { ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ }: إنْ قيل: ما الفائدةُ بالإِتيان بـ " ثم " ، وحُكْمُ مَنْ طُلِّقَتْ على الفورِ بعد العَقْد كذلك؟/ فالجوابُ: أنه جَرَى على الغالب. وقال الزمخشري: " نَفْيُ التوهُّم عَمَّن عسى يَتَوَهَّمُ تفاوُتَ الحُكْمِ بين أَنْ يُطَلِّقَها قريبة العهدِ بالنكاح، وبين أن يَبْعَدَ عهدُها بالنكاح وتتراخى بها المدةُ في حيالةِ الزوجِ ثم يُطَلِّقها ". قال الشيخ " واستعمل عَسَى صلةً لـ " مَنْ " وهو لا يجوز ". قلتُ: يُخَرَّجُ قولُه على ما خُرِّجَ عليه قولُ الشاعر:
3706 ـ وإني لَرامٍ نَظْرَةً قِبَلَ التي   لَعَلِّي وإنْ شَطَّتْ نَواها أَزورها
وهو إضمارُ القول.

قوله: " تَعْتَدُّوْنَها " صفةٌ لـ " عِدَّة " و " تَعْتَدُّونها " تَفْتَعِلُونها: إمَّا مِن العَدَدِ، وإمَّا مِن الاعتدادِ أي: تَحْتَسِبُونها أو تَسْتَوْفون عَدَدَها مِنْ قولِك: عَدَّ الدراهمَ فاعتدَّها. أي: استوفى عَدَدها نحو: كِلْتُه فاكتاله، ووَزَنْتُه فاتَّزَنَه. وقرأ ابن كثير في روايةٍ وأهلُ مكةَ بتخفيف الدال. وفيها وجهان، أحدهما: أنها من الاعتدادِ، وإنما كَرِهوا تضعيفَه فَخَفَّفوه. قاله الرازي قال: " ولو كانَ من الاعتداءِ الذي هو الظلمُ لَضَعُفَ؛ لأنَّ الاعتداءَ يتعدَّى بـ على ". قيل: ويجوز أَنْ يكونَ من الاعتداء وحَذَفَ حرفَ الجرِّ أي: تَعتَدُون عليها أي: على العِدَّة مجازاً ثم تَعْتَدُوْنها كقوله:
3707 ـ تَحِنُّ فَتُبْدِيْ ما بها مِنْ صَبابةٍ   وأُخْفي الذي لولا الأسى لقَضاني
أي: لقضى عليَّ. قال الزمخشري: " وقُرِئ " تَعْتَدُونها " مخففاً أي: تعتدون فيها. كقوله:
3708 ـ ويومٍ شَهِدْناه...................   ................................
البيت. والمرادُ بالاعتداءِ ما في قولِه: { وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِّتَعْتَدُواْ } [البقرة: 231] يعني: أنه حَذَفَ الحرفَ كما حَذَفَ في قولِه:
ـ ويومٍ شَهِدْناه سُلَيْمى وعامِراً   قليلٍ سوى الطَّعْنِ النِّهالِ نوافِلُهْ
وقيل: معنى تَعْتَدُونها أي: تَعْتَدُوْن عليهنَّ فيها. وقد أنكر ابنُ عطية القراءةَ عن ابن كثير وقال: " غَلِطَ ابنُ ابي بَزَّة عنه " وليس كما قال. والثاني: أنها من العُدْوان والاعتداء، وقد تقدَّم شَرْحُه، واعتراضُ أبي الفضل عليه: بأنه كان ينبغي أَنْ يتعَدَّى بـ " على " ، وتقدَّم جوابُه. وقرأ الحسن " تَعْدُّونها " بسكون العين وتشديدِ الدالِ، وهو جمعٌ بين ساكنَيْن على غيرِ حَدَّيْهما.