الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّينَ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }

قوله: { وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ }: العامَّةُ على تخفيف " لكن " ونصبِ رسول. ونصبُه: إمَّا على إضمارِ " كان " لدلالة " كان " السابقة عليها أي: ولكن كان، وإمَّا بالعطفِ على " أبا أَحَدٍ ".

والأولُ أليقُ لأنَّ " لكن " ليست عاطفةً لأجلِ الواو، فالأليقُ بها أن تدخلَ على الجملِ كمثل التي لَيَستْ بعاطفةٍ.

وقرأ أبو عمروٍ في روايةٍ بتشديدها؛ على أنَّ " رسولَ الله " اسمُها، وخبرُها محذوفٌ للدلالةِ أي: ولكن رسولَ الله هو أي: محمدٌ. وحَذْفُ خبرها شائعٌ. وأُنْشِد:
3707 ـ فلو كنتَ ضَبِّيَّاً عَرَفْتَ قَرابتي   ولكنَّ زَنْجِيَّاً عظيمَ المَشافِرِ
أي: أنت. وهذا البيت يَرْوُوْنه أيضاً: ولكنَّ زَنْجيٌّ بالرفع شاهداً على حَذْفِ اسمِها أي: ولكنك.

وقرأ زيد بن علي وابن أبي عبلة بتخفيفها ورفع " رسولُ " على الابتداء، والخبرُ مقدرٌ أي: هو. أو بالعكس أي: ولكن هو رسول كقوله:
3704 ـ ولَسْتُ الشاعرَ السَّفسافَ فيهمْ   ولكنْ مِدْرَهُ الحربُ العَوانِ
أي: ولكن أنا مِدْرَهُ.

قوله: " وخاتم " قرأ عاصمٌ بفتح التاء، والباقون بكسرِها. فالفتح اسمٌ للآلةِ التي يُخْتَمُ بها كالطابَع والقالَبِ لما يُطْبَعُ به ويُقْلَبُ فيه، هذا هو المشهور. وذكر أبو البقاء فيه أوجهاً أُخَرَ منها: أنه في معنى المصدرِ قال: " كذا ذُكِرَ في بعض الأعاريب ". قلت: وهو غَلَطٌ مَحْضٌ كيف وهو يُحْوِجُ إلى تجوُّزٍ وإضمار؟ ولو حُكِي هذا في " خاتِم " بالكسر لكان أقربَ؛ لأنه قد يجيء المصدرُ على فاعِل وفاعِلة. وسيأتي ذلك قريباً. ومنها: أنه اسمٌ بمعنى آخِر. ومنها: أنه فعلٌ ماضٍ مثل قاتَلَ فيكون " النبيين " مفعولاً به قلت: ويؤيِّد هذا قراءةُ عبد الله " خَتَم النبيين ".

والكسرُ على أنه اسمُ فاعلٍ، ويؤيِّده قراءةُ عبد الله المتقدمة. وقال بعضُهم: هو بمعنى المفتوح، يعني بمعنى آخرهم.