الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً }

قوله: { كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ }: قال الزمخشري: " أَحَد " في الأصل بمعنى وَحَد. وهو الواحد، ثم وُضِع في النفي العام مستوياً فيه المذكرُ والمؤنثُ والواحدُ وما وراءَه. والمعنى: لَسْتُنَّ كجماعةٍ واحدةٍ من جماعات النساء أي: إذا تَقَصَّيْتَ جماعةَ النساءِ واحدةً واحدةً لم توجَدْ منهنَّ جماعةٌ واحدة تُساويكُنَّ في الفضل والسابقةِ. ومنه قوله:وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ } [النساء: 152] يريد بين جماعة واحدةٍ منهم تسويةً بين جميعِهم في أنهم على الحقِّ المُبين. قال الشيخ: " أمَّا قوله " أحد " في الأصل بمعنى وَحَد وهو الواحد فصحيح. وأمَّا قولُه: " وُضِع " إلى قوله: " وما وراءه " فليس بصحيحٍ؛ لأنَّ الذي يُسْتعمل في النفي العامِّ مدلولُه غيرُ مدلولِ واحد؛ لأنَّ واحداً ينطلقُ على كلِّ شيءٍ اتصفَ بالوحدةِ، وأحداً المستعمل في النفي العامِّ مختصٌ بمَنْ يَعْقِل. وذكر النحويون أنَّ مادتَه همزة وحاء ودال، ومادة " أحد " بمعنى واحد: واو وحاء ودال، فقد اختلفا مادةً ومدلولاً. وأمَّا قولُه: لَسْتُنَّ كجماعة واحدة، فقد قُلنا: إن معناه ليسَتْ كلُّ واحدةٍ منكنَّ. فهو حَكَمَ على كلِّ واحدة لا على المجموع من حيث هو مجموعٌ. وأمَّاوَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ } [النساء: 152] فاحتمل أَنْ يكونَ الذي يُستعمل في النفي العام؛ ولذلك جاء في سِياقِ النفي فعَمَّ. وصلَحَت البَيْنِيَّة للعموم. ويحتمل أَنْ يكونَ " أحد " بمعنى واحد، وحُذِفَ معطوف، أي: بين أحدٍ وأحدٍ. كما قال:
3695 ـ فما كان بينَ الخيرِ لو جاء سالماً   أبو حُجُرٍ إلاَّ ليالٍ قَلائِلُ
أي: بين الخير وبيني ". انتهى. قلت: أمَّا قولُه فإنهما مختلفان مدلولاً ومادة فَمُسَلَّمٌ. ولكن الزمخشريَّ لم يجعلْ أحداً الذي أصله واحد بمعنى أَحَد المختصِّ بالنفي، ولا يمنع أن أحداً الذي أصلُه واحد أن يقعَ في سياقِ النفيِ. وإنما الفارقُ بينهما: أنَّ الذي همزتُه أصلٌ لا يُستعمل إلاَّ في النفي كأخواته من عَرِيْب وكَتِيْع ووابِر وتامِر. والذي أصله واحد يجوز أن يُستعمل إثباتاً ونفياً. والفرقُ أيضاً بينهما: أنَّ المختصَّ بالنفي جامدٌ، وهذا وصْفٌ. وأيضاً المختصُّ بالنفي مختصٌّ بالعقلاء وهذا لا يختصُّ. وأمَّا معنى النفي فإنه ظاهرٌ على ما قاله الزمخشريُّ من الحكم على المجموعِ، ولكنَّ المعنى على ما قاله الشيخ أوضحُ وإن كان خلافَ الظاهر.

قوله: " إنِ اتَّقَيْتُنَّ " في جوابه وجهان، أحدهما: أنه محذوفٌ لدلالةِ ما تقدَّم عليه أي: إنْ اتَّقَيْتُنَّ اللَّهَ فَلَسْتُنَّ كأحدٍ. فالشرط قيدٌ في نفي أَنْ يُشَبَّهْنَ بأحدٍ من النساء. الثاني: أنَّ جوابَه قولُه: " فلا تَخْضَعْنَ " والتقوى على بابها. وجَوَّزَ الشيخُ على هذا أن يكونَ اتَّقى بمعنى استقبل أي: استَقْبَلْتُنَّ أحداً فلا تَلِنَّ له القولَ.

السابقالتالي
2 3