الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ }

قوله: { لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ }: من بابِ الإِضافةِ بمعنى " مِنْ " لأنَّ اللهو يكون حديثاً وغيره كبابِ ساجٍ وجُبَّةِ خَزٍّ. وقيل: هو على حذف مضاف أي: يشتري ذواتِ لَهْوِ الحديثِ؛ لأنها نزلتْ في مشتري المغنِّيات. والأولُ أبلغُ.

قوله: " لِيُضِلَّ " قرأ ابن كثير وأبو عمروٍ " لِيَضِلَّ " بفتح حرفِ المضارعةِ. والباقون بضمِّه، مِنْ أضَلَّ غيرَه، فمفعولُه محذوفٌ. وهو مُسْتَلْزِمٌ للضلالِ؛ لأنَّ مَنْ أضَلَّ فقد ضَلَّ مِنْ غيرِ عكسٍ. وقد تقدَّمَ ذلك في سورة إبراهيم. قال الزمخشري هنا: " فإنْ قلت: القراءةُ بالرفعِ بَيِّنَةٌ؛ لأنَّ النَّضِرَ كان غرضُه باشتراءِ اللَّهْوِ أن يَصُدَّ النَاسَ عن الدخولِ في الإِسلام واستماعِ القرآن ويُضِلَّهم عنه فما معنى القراءةِ بالفتح؟ قلت: معنيان، أحدُهما: ليَثْبُتَ على ضلالِه الذي كان عليه ولا يَصْدِفَ عنه، ويَزِيدَ فيه ويَمُدَّه؛ فإن المخذولَ كان شديدَ الشَّكيمةِ في عداوةِ الدين، وصَدِّ الناسِ عنه. الثاني: أَنْ يُوْضَعَ " لِيَضِلَّ " موضعَ ليُضِلَّ؛ مِنْ قِبَلِ أنَّ مَنْ أَضَلَّ كان ضالاًّ لا محالةَ فدَلَّ بالرَّديفِ على المَرْدُوف ".

قوله: " بغير عِلْمٍ " حالٌ أي: يشتري بغيرِ علمٍ بأحوالِ التجارة حيث اشترى ما يَخْسَرُ فيه الدارَيْنِ.

قوله: وَيَتَّخِذَها " قرأ الأخوانَ وحفصٌ بالنصب عطفاً على " لِيُضِلَّ " فهو علةٌ كالذي قبلَه. والباقون بالرفع عطفاً على " يَشْتري " فهو صلةٌ. وقيل: الرفعُ على الاستئنافِ من غير عطفٍ على الصلةِ. والضميرُ المنصوبُ يعود على الآيات المتقدِّمةِ أو السبيلِ؛ لأنه يُؤَنَّثُ، أو الأحاديثِ الدال عليها " الحديث " لأنه اسمُ جنسٍ.

قوله: " أولئك لهم " حُمِلَ أولاً على لفظ " مَنْ " فَأُفْرِدَ، ثم على معناها فجُمِعَ، ثم على لفظِها فأُفْرِد في قوله: { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ }. وله نظائرُ تقدَّمَ التنبيهُ عليها في المائدة، عند قولهِ تعالى:مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ } [المائدة: 60]. وقال الشيخ: " ولا نعلم جاءَ في القرآن ما حُمِلَ على اللفظ ثم على المعنى ثم على اللفظ غيرَ هاتين الآيتين ". قلت: وُجِدَ غيرُهما كما قَدَّمْتُ التنبيهَ عليه في المائدة.