الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَٱلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

قوله: { وَٱلْبَحْرُ }: قرأ أبو عمرو بالنصب، والباقون بالرفع. فالنصبُ من وجهين، أحدُهما: العطفُ على اسمِ " أنَّ ". أي: ولو أنَّ البحرَ، و " يَمُدُّه " الخبرُ. والثاني: النصبُ بفعلٍ مضمرٍ يُفَسِّره " يمدُّه " والواوُ حينئذٍ للحال. والجملةُ حاليةٌ، ولم يُحْتَجْ إلى ضميرٍ رابطٍ بين الحالِ وصاحبِها، للاستغناءِ عنه بالواوِ. والتقديرُ: ولو أنَّ الذي في الأرضِ حَالَ كونِ البحرِ ممدوداً بكذا.

وأمَّا الرفعُ فمِنْ وجهين، أحدُهما: العطفُ على أنَّ وما في حَيِّزها. وقد تقدَّم لك في " أنَّ " الواقعةِ/ بعد " لو " مذهبان: مذهبُ سيبويهِ الرفعُ على الابتداء، ومذهبُ المبردِ على الفاعليةِ بفعلٍ مقدر، وهما عائدان هنا. فعلى مذهبِ سيبويه يكون تقديرُ العطفِ: ولو البحر. إلاَّ أنَّ الشيخَ قال: إنه لا يلي " لو " المبتدأُ اسماً صريحاً إلاَّ في ضرورةٍ، كقوله:
3660 ـ لو بغير الماءِ حَلْقي شَرِقٌ   .........................
وهذا القولُ يُؤَدِّيْ إلى ذلك. ثم أجابَ بأنه يُغْتَفَرُ في المعطوفِ ما لا يُغْتَفَرُ في المعطوفِ عليه كقولهم: " رُبَّ رجلٍ وأخيه يقولان ذلك ". وعلى مذهبِ المبرد يكون تقديرُه: ولو ثَبَت البحرُ، وعلى التقديرَيْن يكون " يمدُّه " جملةً حالية من البحر.

والثاني: أنَّ " البحر " مبتدأٌ، و " يَمُدُّه " الخبر، والجملةُ حالية كما تقدَّم في جملةِ الاشتغال، والرابط الواو. وقد جَعَله الزمخشريُّ سؤالاً وجواباً. وأنشد:
3661 ـ وقد أَغْتَدِيْ والطيرُ في وُكُناتِها   ..................
و " مِنْ شجَرة " حالٌ: إمَّا من الموصولِ، أو من الضميرِ المستترِ في الجارِّ الواقعِ صلةً، و " أقلامٌ " خبرُ " أنَّ ". قال الشيخُ: " وفيه دليلٌ على مَنْ يَقولُ - كالزمخشريِّ ومَنْ يتعصَّب له من العجم - على أنَّ خبر " أنَّ " الواقعة بعد " لو " لا يكونُ اسماً البتة لا جامداً ولا مشتقاً، بل يتعيَّنُ أَنْ يكونَ فعلاً " قال: " وهو باطِلٌ " وأنشد:
3662 ـ ولو أنها عُصْفورَةٌ لَحَسِبْتُها   مُسَوَّمَةً تَدْعو عبيداً وأَزْنَما
وقال:
3663 ـ ما أطيبَ العَيْشَ لو أنَّ الفتى حَجَرٌ   تَنْبُو الحوادِثُ عنه وهْو مَلْمُومُ
وقال:
3664 ـ ولو أنَّ حياً فائتُ الموتِ فاته   أخو الحربِ فوقَ القارِحِ العَدَوانِ
قال: " وهو كثيرٌ في كلامِهم ". قلت: وقد تقدمَ أولَ هذا الموضوع أنَّ هذه الآيةَ ونحوَها تُبْطِلُ ظاهرَ قولِ المتقدمين في " لو " أنها حرفُ امتناعٍ لامتناعٍ؛ إذ يَلْزَمُ محذورٌ عظيمٌ: وهو أنَّ ما بعدها إذا كان منفيًّا لفظاً فهو مُثْبَتٌ معنىً، وبالعكس. وقوله: " ما نَفِدَتْ " منفيٌّ لفظاً، فلو كان مثبتاً معنىً فَسَدَ المعنى، فعليك بالالتفاتِ إلى أولِ البقرةِ.

السابقالتالي
2