الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ فِيۤ أَدْنَى ٱلأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ }

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله: { فِيۤ أَدْنَى ٱلأَرْضِ }: زعم بعضُهم أنَّ أل عِوَضٌ من الضميرِ، وأنَّ الأصلَ " في أَدْنى أَرْضِهم " وهو قولٌ كوفيٌّ. وهذا على قولِ: إن الهَرَب كان مِنْ جهة بلادِهم. وأمَّا مَنْ يقول: إنه من جهةِ بلادِ العَرَبِ فلا يَتَأَتَّى ذلك. وقرأ العامَّةُ " غُلِبَتْ " مبنياً للمفعول. وعلي بن أبي طالب وأبو سعيد الخُدْري وابن عمر وأهل الشام ببنائِه للفاعلِ.

قوله: " غَلَبِهم " على القراءةِ الشهيرةِ يكون المصدرُ مضافاً لمفعولِه. ثم هذا المفعولُ: إمَّا أَنْ يكونَ مرفوعَ المحلِّ على أن المصدرَ المضافَ إليه مأخوذٌ مِنْ مبنيّ للمفعولِ على خلافٍ في ذلك، وإمَّا منصوبَ المحلِّ على أنَّ المصدرَ مِنْ مبني للفاعل، والفاعلُ محذوفٌ تقديره: مِن بعد أَنْ غَلَبَهم عدوُّهم، وهم فارس. وأمَّا على القراءةِ الثانيةِ فهو مضافٌ لفاعلِه.

قوله: " سَيَغْلِبون " خبرُ المبتدأ. و { مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ } متعلقٌ به. والعامَّةُ - بل نقل بعضُهم الإِجماعَ - على " سَيَغْلِبون " مبنياً للفاعل. فعلى الشهيرةِ واضحٌ أي: مِنْ بعدِ أن غَلَبَتْهُمْ فارسُ سيَغْلِبون فارسَ. وأمَّا على القراءةِ الثانيةِ فأخبرَ أنهم سيَغْلبون ثانياً بعد أن غَلَبوا أولاً. ورُوِي عن ابنِ عمرَ أنه قرأ ببنائه للمفعول. وهذا مخالِف لِما وَرَدَ في سبب الآية وما وَرَدَ في الأحاديث. وقد يُلائم هذا بعضَ ملاءَمَةٍ مَنْ قرأ " غَلَبَتْ " مبنياً للفاعلِ. وقد تقدَّم أن ابن عمرَ ممَّن يقرأُ بذلك. وقد خَرَّج النحاسُ قراءةَ عبدِ الله بن عمرَ على تخريجٍ حَسَنٍ، وهو أن المعنى: وفارسُ مِنْ بعدِ غَلَبِهم للرومِ سيُغْلَبون. إلاَّ أنَّ فيه إضمارَ ما لم يُذْكَرْ، ولا جَرى سببُ ذِكْرِه.