الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلضَّآلُّونَ } * { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ ٱلأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ }

قوله تعالى: { كُفْراً }: تمييزٌ منقولٌ من الفاعلية، والأصلُ: ثم ازداد كفرهُم، والدالُ الأولى بدلٌ من تاءِ الافتعالِ لوقوعِها بعد الزاي، كذا أعربه الشيخ، وفيه نظرٌ، إذ المعنى على أنه مفعول به، وذلك أنَّ الفعلَ المتعدِّيَ لاثنين إذا جُعِل مطاوعاً نَقَص مفعولاً، وهذا من ذاك، لأن الأصل: زِدْتُ زيداً خيراً فازداده، وكذلك أصلُ الآية الكريمة، زادهم الله كفراً فازدادوه.

ولم يُؤْتَ هنا بالفاء داخلةً على " لن " وأتى بها في " لن " الثانيةِ. قيل: لأنَّ الفاءَ مُؤْذِنَةٌ بالاستحقاق بالوصفِ السابق، لأنه قد صَرَّح بقيدِ موتهم على الكفر/ بخلافِ " لن " الأولى فإنه لم يُصَرِّح معها به، فلذلك لم يُؤْتَ بالفاء.

وقرأ عكرمة: " لن نقبل " بنونِ العظمة، " توبتَهم " بالنصب، فلذلك قرأ: " فلن نقبل مِنْ أحدِهم ملء " بالنصب.

قوله: { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلضَّآلُّونَ } في هذه الجملة ثلاثة أوجه، أحدها: أن تكونَ في محلِّ رفعٍ عطفاً على خبر إنَّ، أي: إنَّ الذين كفروا لن تُقْبل توبتُهم وإنهم أولئك هم الضالون. الثاني: أن تُجْعَلَ معطوفة على الجملة المؤكدة بإن، وحينئذٍ فلا محلَّ لها من الإِعرابِ لعطفِها على ما لا محلَّ له. الثالث: وهو أغربُها أن تكونَ الواو للحال، فالجملة بعدها نصب على الحال، والمعنى: لن تُقْبَل توبتُهم من الذنوب والحالُ أنهم ضالون، فالتوبةُ والضلال متنافيان لا يَجْتمعان، قاله الراغب، وهو بعيد في التركيب، وإنْ كانَ قريبَ المعنى. قال الشيخ: " ويَنْبو عن هذا المعنى هذا التركيبُ، إذ لو أُريد هذا المعنى لم يُؤْتَ باسم الإِشارة ".

وقوله: { فَلَن يُقْبَلَ } قد تقدم أن عكرمة [قرأ] " نقبل " بالنون، " ملءَ " بالنصب مفعولاً به، وقرأ بضعهم: فلن يَقبل بالياء من تحت على بنائه للفاعل وهو الله تعالى، و " ملءَ " بالنصب كما تقدم. وقرأ أبو جعفر وأبو السمَّال: " مِل الأرض " بطرح همزة " ملء " ، نقل حركتها إلى الساكن قبلها، وبعضُهم يُدْغم نحو هذا، أي: لام " ملء " في لام " الأرض " بعروضِ التقائِهما.

والملءُ مقدارُ ما يملأ الوعاءَ، والمَلْءُ بفتح الميم هو المصدر. يقال: " مَلأتُ القِرْبة أملؤها مَلْئَاً " ، والمُلاءة المِلْحَفة بضم الميم والمد.

و " ذَهَبا " العامة على نصبه تمييزاً، وقال الكسائي: " على إسقاط الخافض " وهذا كالأول، لأنَّ التمييزَ مقدَّرٌ بـ " مِنْ " واحتاجت " ملء " إلى تفسير لإِبهامها، لأنها دالةٌ على مقدار. كالقَفِيز والصَّاع. وقرأ الأعمش " ذهبٌ " بالرفع، قال الزمخشري: " رَدّاً على مِلْءُ " كما يقال: " عندي عشرون نفساً رجالٌ " يعني بالرد البدل، ويكون بدلَ نكرة من معرفة، قال الشيخ: " ولذلك ضَبَط الحُذَّاق قوله " لك الحمدُ ملءُّ السماوات " بالرفع، على أنه نعتٌ للحمد، واستضعفوا نصبه على الحال لكونه معرفة " قلت: ولا يتعيََّنُ نصبُه على الحال حتى يلزَم ما ذكره من الضعف، بل هو منصوبٌ على الظرف، أي: إنَّ الحمد يقع مِلئاً للسماوات وللأرض.

السابقالتالي
2 3