الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ هٰأَنْتُمْ هَؤُلاۤءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }

قوله تعالى: { هٰأَنْتُمْ هَؤُلاۤءِ }: الكلامُ على هذه الآيةِ فيه صعوبةٌ وإشكالٌ فيُحتاج من أجلِ ذلك إلى بَسْطٍ في العبارة، ولنبدأ أولاً بضبط قراءاتِها وتفسيرِ معناها، فإنَّ الإِعراب متوقف على ذلك، فأقولُ: القُرَّاء في ذلك على أربع مراتب، المرتبة الأولى للكوفيين، وابن عامر والبزي عن ابن كثير: " ها أنتم " بألف بعد الهاء وهمزةٍ مخففة بعدها. المرتبة الثانية لأبي عمرو وقالون عن نافع: بألف بعد الهاء وهمزةٍ مسهلة بينَ بينَ بعدها. المرتبة الثالثة لورش وله وجهان، أحدهما: بهمزة مسهلة بينَ بينَ بعد الهاء دونَ ألفٍ بينهما، الثاني: بألف صريحة بعد الهاء من غير همز بالكلية. المرتبة الرابعة: لقنبل بهمزةٍ محققة بعد الهاء دون ألف.

وأمَّا المعنى: فقال قتادة والسدي والربيع وجماعة كثيرة: إن الذي لهم به علم هو دينُهم الذي وجدوه في كتبهم وثبتَتْ صحتُه لديهم، والذي ليس لهم به علمٌ هو شريعةُ إبراهيم وما كان عليه مِمَّا ليس في كتبهم، ولا جاءَتْ به إليهم رسلُهم، ولا كانوا معاصِريه فَيَعْلَمُون دينه، فجدالُهم فيه مجردُ عنادٍ ومكابرة. وقيل: الذي لهم به علم أمر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأنه موجودٌ عندهم في كتبِهم بنَعْتِه، والذي ليس لهم به علم هو أمر إبراهيم عليه السلام. وقال الزمخشري: " يعني ها أنتم هؤلاء الأشخاص الحمقى، وبيانُ حماقتكم وقلةِ عقولكم أنكم جادلم فيما لكم به علمٌ مِمَّا نطق به التوراة والإِنجيل، فلِمَ تُحاجُّونَ فيما ليس لكم به علمٌ ولا نَطَق به كتابكم مِنْ دينِ إبراهيم؟ ".

واختلف الناسُ في هذه الهاءِ فمنهم مَنْ قال: إنها ها التي للتنبيه الداخلةِ على أسماء الإِشارة، وقد كَثُرَ الفصلُ بينها وبين أسماء الإِشارة بالضمائر المرفوعةِ المنفصلة نحو: ها أنت ذا قائماً، وها نحن وها هم هؤلاء قائمون، وقد تُعاد مع الإِشارة بعد دخولها على الضمائر توكيداً كهذه الآية، ويَقِلُّ الفصلُ بغير ذلك كقوله:
1322ـ تَعَلَّمَـنْ هالعمـرُ الله ذا قَسَمـــاً     قاقدِرْ بذَرْعِك وانظرْ أينَ تنْسَلِكُ
وقال النابغة:
1323ـ ها إنَّ تا عِذْرَةٌ إن لا تكن نَفَعَتْ     فإنَّ صاحبَها قد تاهَ في البلد
ومنهِم مَنْ قال: إنها مبدلةٌ من همزةِ استفهام، والأصلُ: أأنتم، وهو استفهامُ إنكار، وقد كَثُر إبدال الهمزةِ هاءً وإن لم ينقس، قالوا: هَرَقْت وهَرَحْت وهَبَرْت، وهذا قول أبي عمرو بن العلاء وأبي الحسن الأخفش وجماعة، واستحسنه أبو جعفر، وفيه نظرٌ من حيث إنه لم يثبت ذلك في همزة الاستفهام، لم يُسْمع منهم: هَتَضْرِبُ زيداً بمعنى: أتضرب زيداً. وإذا لم يثبت ذلك فكيف يُحمل هذا عليه؟ هذا معنى ما اعترض به الشيخ على هؤلاء الأئمة، وإذا ثَبَتَ إبدال الهمزة هاءً هانَ الأمر، ولا نظرَ إلى كونِها همزةَ استفهام ولا غَيرها.

السابقالتالي
2 3 4