الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ ٱشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }

قوله تعالى: { إِلَىٰ كَلِمَةٍ }: متعلِّقٌ بتعالَوا فَذَكَرَ مفعول " تعالوا " بخلاف " تعالَوا " قبلَها فإنه لم يَذكُرْ مفعولَه، لأنَّ المقصودَ مجردُ الإِقبال، ويجوز أن يكونَ حَذْفُه للدلالةِ عليه تقديرُه: تعالوا إلى المباهلة.

وقرأ العامة " كَلِمة " بفتح الكاف وكسر اللام، وهو الأصل. وأبو السمَّال " كِلْمة " بزنة سِدْرة، وكَلْمة كضَرْبة، وتقدم هذا قريباً. و " كلمةٍ " مفسَّرةٌ بما بعدها من قوله: { أَلاَّ نَعْبُدَ } فالمرادُ بها كلامٌ كثير، وهذا مِنْ بابِ إطلاق الجزء، والمرادُ به الكل، ومنه تسميتُهم القصيدةَ جمعاً: قافية، والقافية جزءٌ منها، قال:
1318ـ أُعَلِّمه الرمايةَ كلَّ يومٍ     فلمَّا اشْتَدَّ ساعِدُه رماني
وكم عَلَّمْتُه نظمَ القوافي     فلمَّا قال قافيةً هجاني
ويقولون: " كلمةُ الشهادة " يَعْنُون: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أصدقُ كلمةٍ قالها شاعر كلمةُ لبيد " يريد قوله:
1319ـ ألا كلُّ شيءٍ ما خلا اللهَ باطلُ     وكلُّ نعيمٍ لا محالةَ زائلُ
وهذا كما يُسَمُّونَ الشيءَ بجزأيه في الأعيان لأنه المقصودُ منه، قالوا لربيبة القوم ـ وهو الذي ينظر لهم ما يحتاجون إليه ـ عَيْن، فأطلقوا عليه عيناً. وقال بعضهم: وَضِعَ المفرد موضعَ الجمع، كما قال:
1320ـ بها جِيَف الحَسْرى فأمَّا عِظامُها     فَبيضٌ وأَمَّا جِلْدُها فَصَلِيبُ
وقيل: أُطلقت الكلمة على الكلمات لارتباطِ بعضِها ببعضٍ، فصارت في قوة الكلمةِ الواحدةِ، إذا اختلَّ جزءٌ منها اختلَّت الكلمة، لأن كلمة التوحيد: لا إله إلا الله، هي كلماتٌ لا تتِمُّ النسبةُ المقصودةُ فيها مِنْ حَصْرِ الإِلهية في الله إلا بمجموعها.

وقرأ العامة: " سواءٍ " بالجر نعتاً لكلمة بمعنى عدل، ويَدُلُّ عليه قراءةُ عبد الله: " ِإلى كلمة عدل " وهذا تفسيرٌ لا قراءة. و " سواء " في الأصل مصدر، ففي الوصف التأويلاتُ الثلاثة المعروفةَ، ولذلك لم يُؤَنَّث كما لم يُؤَنَّث بـ " امرأة عدل ".

وقرأ الحسن: " سواء " بالنصبِ وفيها وجهان، أحدهما: نصبُها على المصدر، قال الزمخشري: " بمعنى استوت استواءً " ، وكذا الحوفي. والثاني: أنه منصوبٌ على الحال، وجاءت الحالُ من النكرة، وقد نَصَّ سيبويه عليه واقتاسه، وكذا قال الشيخ، ولكنَّ المشهورَ غيرُه، والذي حَسَّن مجيئَها من النكرةِ هنا كونُ الوصفِ بالمصدر على خلاف الأصل، والصفة والحال متلاقيان من حيث المعنى، وكأن الشيخ غَضَّ من تخريج الزمخشري والحوفي فقال: " والحالُ والصفة متلاقيان من حيث المعنى، والمصدرُ يحتاج إلى إضمار عامل وإلى تأويل " سواء " بمعنى استواء، والأشهرُ استعمال " سواء " بمعنى اسم الفاعل أي: " مُسْتَوٍ " قلت: وبذلك فَسَّرها ابن عباس فقال: " إلى كلمةٍ مستوية ".

قوله: { أَلاَّ نَعْبُدَ } فيه ستةُ أوجه، أحدُها: أنه بدلٌ من " كلمة " بدلُ كلٍ من كل، الثاني: أنه بدلٌ من " سواء " ، جَوَّزه أبو البقاء، وليس بواضح، لأنَّ المقصودَ إنما هو الموصوفُ لا صفتُه، فنسبةُ البدلية إلى الموصوف أولى.

السابقالتالي
2