الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْقَصَصُ ٱلْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ ٱللَّهُ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

قوله تعالى: { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْقَصَصُ }: يجوزُ أَنْ يكونَ " هو " فصلاً، والقصصُ خبر " إنَّ " ، و " الحقُّ " صفتُهُ، ويجوزُ أنْ يكون " هو " مبتدأ و " القَصَصُ " خبرَه، والجملةُ خبرَ " إنَّ " ، والإِشارةُ بهذا إلى ما تقدَّم ذكرُه من أخبارِ عيسى عليه السلام، وقيل: بل هو إشارةٌ لِما بعدَه وهو قولُه: { وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ ٱللَّهُ }. وضُعِّفَ هذا بوجهين، أحدُهما: أنَّ هذا ليس بقصص، والثاني: أنه مقترنٌ بحرفِ العطفِ، وقد اعتذر بعضهم عن الأول فقال: إنْ أراد بالقصص الخبرَ فَيَصِحُّ على هذا، ويكون التقدير: إنَّ الخبر الحق أنه ما من إلا إلا الله، ولكن الاعتراض الثاني باقٍ لم يُجَبْ عنه.

والقَصَصُ: مصدرُ قولهم: قَصَّ فلان الحديثَ يَقُصَّه قَصَّاً وقَصَصَاً. وأصلُه: تتبُّعُ الأثرِ، يقال: " فلان خَرَجَ يَقُصُّ أثرَ فلان " أي: يَتْبعه ليعرفَ أين ذَهَبَ؟ ومنه قولُه تعالى:وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ } [القصص: 11] أي: اتِّبعي أثره وكذلك القاصُّ في الكلام لأنه يتتَّبع خبراً بعد خبر. وقد تقدَّم التنبيه على قراءتَيْ: " لَهْو " بسكون الهاء وضمِّها، إجراءً له مُجْرَى عَضُد.

قال الزمخشري: " فإنْ قلت لِمَ جاز دخول اللام على الفصل؟ قلت: إذا جاز دخولها على الخبر فدخولُها على الفصلِ أجوزُ، لأنها أقربُ إلى المبتدأ منه، وأصلُها أَنْ تدخُلَ على المبتدأ ".

قوله: { وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ ٱللَّهُ } يجوز فيه وجهان، أحدهما: أن " من إله " مبتدأ، و " مِنْ " مزيدةٌ فيه، و " إلا اللهُ " خبره تقديره: ما إله إلا اللهُ، وزيدت " مِنْ " للاستغراق والعموم. قال الزمخشري: " ومِنْ في قوله { وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ ٱللَّهُ } بمنزلةِ البناءِ على الفتح في " لا إله إلا اللهَ " في إفادةِ معنى الاستغراقِ " قلت: الاستغراقُ في " لا إله إلا اللهُ " لم نَسْتفِدْه من البناء على الفتحِ بل استفدناه من " مِنْ " المقدرة الدالة على الاستغراق، نصَّ النَّحْويون على ذلك، واستدلَّوا عليه بظهورها في قول الشاعر:
1317ـ فقام يذودُ الناسَ عنها بسيفِه     فقال ألا لا مِنْ سبيلٍ إلى هندِ
والثاني: أن يكونَ الخبرُ مضمراً تقديرُه: وما من إلهٍ لنا إلا الله، و " إلا اللهُ " بدلٌ من مضع " من إله " لأن موضعَه رفعٌ بالابتداء، ولا يجوزُ في مثله الإِبدالُ من اللفظِ، لئلا يَلْزَمَ زيادةُ مِنْ في الواجب، وذلك لا يجوز عند الجمهور، ويجوز في مثل هذا التركيب نصبُ ما بعد " إلا " على الاستثناء، ولكنه لم يُقرأ به، إلا أنه جائز لغةً، تقول " لا إله إلا اللهُ " برفع الجلالة بدلاً من الموضع، ونصبِها على الاستثناء من الضميرِ المستكنِّ في الخبرِ المقدَّر، إذ التقديرُ: لا إله استقر لنا إلا الله.

وقوله: { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } كقوله: { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْقَصَصُ }.