الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَاذِبِينَ }

قوله تعالى: { فَمَنْ حَآجَّكَ }: يجوز في " مَنْ " وجهان، أحدهما: أن تكونَ شرطيةً وهو الظاهر أي: إنْ حاجَّك أحدٌ فقلْ له: كيتَ وكيتَ، ويجوز أَنْ تكونَ موصولةً بمعنى الذي، وإنما دَخَلَتِ الفاءُ في الخبر لتضمُّنه معنى الشرط. والمُحاجَّة مُفاعلة وهي من اثنين، وكان الأمر كذلك.

قوله: " فيه " متعلق بحاجَّك أي: جادَلك في شأنه، والهاء فيه وجهان، أظهرهما: عَوْدُها على عيسى عليه السلام. والثاني عَوْدُها على الحق، و قد يتأيَّد هذا بأنه أقربُ مذكورٍ، إلاَّ أنَّ الأول أظهرُ لأن عيسى هو المُحَدَّث عنه وهو صاحب القصة.

قوله: { مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ } متعلِّقٌ بحاجِّك أيضاً، و " ما " يجوز أن تكون موصولة اسميةً، ففاعلُ " جاءك " ضميرٌ يعودُ عليها أي: من بعد الذي جاءك هو، و " من العلم " حالٌ/ من فاعل " جاءك " ، ويجوز أن تكونَ موصولةً حرفية، وحينئذُ يقال: يلزم من ذلك خُلُوُّ الفعل من الفاعل، أو عَوْدُ الضمير على الحرف، لأن " جاءك " لا بُدَّ له من فاعل، وليس معنا شيءٌ يَصْلُحُ عَودُه عليه إلا " ما " وهي حرفيةٌ. والجوابُ: أنه يجوزُ أن يكون الفاعلُ قولَه " من العلم " و " من " مزيدةٌ، أي بعد ما جاءك العلم أي: بعد مجيء العلم، وهذا إنما يتخرَّج على قول الأخفش لأنه لا يَشْترط في زيادتها شيئاً. و " مِنْ " في " من العلم " يُحْتمل أن تكونَ تبعيضيَّةً وهو الظاهرُ وأَنْ تكونَ لبيان الجنس.

قوله: { تَعَالَوْاْ } العامةُ على فتح اللام لأنه أمرق من تعالَى يَتَعالى، كترامى يترامى، وأصلُ ألفِه ياءٌ، وأصلُ هذه الياء واو، وذلك أنه مشتقٌ من العلوِّ وهو الارتقاعِ كما سيأتي بيانُه في الاشتقاق، والواوُ متى وقَعَتْ رابعةً فصاعداً قُلِبَتْ ياءً فصار تعالَوَ: تعالَيَ، فتحرَّك حرفُ العلة وانفتح ما قبلَه فَقُلِب ألفاً فصار: تعالَى كَترامى وتغازَى، فإذا أَمَرْتَ منه الواحدَ قلت: تعالَ يا زيدُ، بحَذْفِ الألف، وكذا إذا أَمَرْتَ الجمعَ المذكَّر قلت: تعالَوا؛ لأنك لمَّا حَذَفْتَ الألف لأجلِ الأمرِ أبقَيْتَ الفتحَة مُشْعرةً بها. وإن شئت قلت: الأصل: تعالَيُوا، وأصلُ هذه الياءِ واوٌ كما تقدَّم، ثم استُثْقِلت الضَّمةُ على الياءِ فَحُذِفَتْ ضمتُها فالتقى ساكنان، فحُذِف أولُهما وهو الياء لالتقاء الساكنين وتُرِكت الفتحةُ على حالِها. وإنْ شئت قلت: لَمَّا كان الأصلُ: تعالَيُوا تحرَّك حرف العلة وانفتح ما قبله وهو الياء فَقُلِب ألفاً فالتقى ساكنان، فحُذِف أولُهما وهو الألف وبقيت الفتحة دالة عليه.

والفرقُ بين هذا وبين الوجه الأول أن الألف في الوجه الأول حُذِفَت لأجل الأمر وإن لم تتصل به واو ضمير، وفي هذا حُذِفت لالتقائها مع واو الضمير.

السابقالتالي
2 3