الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ ٱلْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }

قوله تعالى: { مِنْهُمُ }: فيه وجهان، أحدُهما: أَنْ يتعلَّقَ بأحسَّ، و " مِنْ " لابتداءِ الغاية، أي: ابتداءُ الإِحساسِ مِنْ جهتهم. والثاني: أنه متعلقٌ بمحذوفٍ على أنه حالٌ من الكفر أي: الكفرُ حالَ كونِه صادراً منهم.

والإِحساسُ: الإِدراكُ ببعضِ الحواسِّ الخمسِ وهي: الذوقُ والشمُّ واللمسُ والسمعُ والبصرُ، يقال: أَحْسَسْتُ الشيءَ وبالشَيءِ، وحَسَسْتُه وحَسَسْتُ به، ويقال: حَسَيْتُ بإبدال سينه الثانيةِ ياءً، وأحَسْت بحذف أولِ سينه، قال:
1307ـ سِوى أنَّ العِتاقَ من المطايا     أَحَسْنَ به فَهُنَّ إليه شُوسُ
قال سيبويه: " وَمِمَّا شَذَّ من المضاعَفِ ـ يعني في الحذفِ ـ شبيهُ بباب أقمت وليس بمتلئِبٍّ، وذلك قولهم: أَحَسْتُ واَحَسْنَ، يريدون: أَحْسَسْتُ وأَحْسَسْنَ، وكذلك يُفْعَل بكل بناءٍ بُنِي الفعلُ فيه ولا تَصِلُ إليه الحركةُ، فإذا قلت: لم أُحِسَّ لم تَحذِفْ ". وقيل: الإِحساسُ: الوجودُ والرؤيةُ يقال: هل أَحْسَسْتَ صاحبكَ أي: وَجَدْتَه أو رأيته.

قوله: { مَنْ أَنصَارِيۤ } أنصار جمع نصير نحو: شَريف وأَشْراف. وقال قوم: هو جمع " نَصْر " المرادُ به المصدر، ويَحتاج إلى حَذْف مضاف أي: مَنْ أصحابُ نُصْرَتي. و " إلى " على بابها، وتتعلَّق بمحذوف، لأنها حالٌ تقديرُه: مَنْ أنصاري مضافِين إلى الله، كذا قَدَّره أبو البقاء. وقال قوم: إنَّ " إلى " بمعنى مع أي: مع الله، قال الفراء: " وهو وجْهٌ حسن ". وإنما يجوز أَنْ تَجْعَل " إلى " في موضع مع إذا ضَمَمْتَ الشيء إلى الشيء ما لم يكن معه كقولِ العرب: " الذَّوْدُ إلى الذَّوْدِ إبل " أي: الذود، بخلافِ قولك: " قَدِمَ فلانٌ ومعه مال كثير " فإنه لا يصلح أَنْ تقولَ: وإليه مال، وكذا تقول: " قدم فلان مع أهله " ولو قلت: " إلى أهله " لم يصح، وجَعَلوا من ذلك أيضاً قولَه:وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ } [النساء: 2]. وقد ردَّ أبو البقاء كونَها بمعنى " مع " فقال: " وليس بشيء فإنَّ " إلى " لا تصلُح أَنْ تكونَ بمعنى " مع " ولا قياسَ يَعْضُده ".

وقيل: " إلى " بمعنى اللام أي: مَنْ أنصاري لله، كقوله:يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ } [يونس: 35] أي: للحقِّ، كذا قَدَّره الفارسي. وقيل: بل ضَمَّن " أنصاري " معنى الإِضافةِ أي: مَنْ يُضيف نفسَه إلى الله في نصرتي، فيكون " إلى الله " متعلقاً بنفسِ أنصاري، وقيل: متعلقٌ بمحذوفٍ على أنه حال من الياء في " أنصاري " أي: مَنْ أنصاري ذاهباً إلى الله متلجِئاً إليه، قاله الزمخشري.

قوله: { ٱلْحَوَارِيُّونَ } جمع حوارِيّ وهو الناصرُ، وهو مصروفٌ وإنْ ماثل مَفَاعل، لأنَّ ياءَ النسب فيه عارضةٌ، ومثله حَوالِيٌّ وهو المحتال، وهذان بخلافِ: قَمَارِيّ وبَخاتِيّ، فإنهما ممنوعانِ من الصرفِ، والفرق أن الياءَ في حوارِيّ وحواليّ عارضةٌ بخلافِها في: " قَماريّ وبَخاتِيّ " فإنها موجودَةٌ قبل جَمْعِها في قولك: قُمْرِيّ وبُخْتِيّ.

السابقالتالي
2 3