الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ }

قوله تعالى: { وَمُصَدِّقاً }: نَسَقٌ على محلِّ " بآية "؛ لأنَّ " بآية " في محلِّ نصبٍ على الحال إذ التقديرُ: وجئتكم ملتبساً بآية ومصدقاً. وقال الفراء والزجاج: " نصب مصدقاً على الحال، المعنى: وجئتُكم مصدقاً لما بين يديَّ، وجاز إضمار " جئتُكم " لدلالةِ أولِ الكلامِ عليه، وهو قوله: { أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } ، ومثلُه في الكلام: " جئته بما يحب ومكرماً له ". قال الفراء: " ولا يجوزُ أَنْ يكون " ومصدقاً " معطوفاً على " وجيهاً " لأنه لو كان ذلك لقال: " ومُصَدِّقاً لِما بين يديه " يعني أنه لو كان معطوفاً عليه لأتى معه بضميرِ الغيبةِ لا بضمير التكلم، وكذلك ذَكَرَ غيرُ الفراء، ومَنَع أيضاً أن يكونَ منسوقاً على " رسولاً " قال: " لأنه لو كان مردوداً عليه لقال: " وَمُصَدِّقاً لِما بين يديك " لأنه خَاطَبَ بذلك مريم، أو قال: بين يديه " يعني أنه لو كان معطوفاً على " رسولاً " لكان ينبغي أن يُؤْتى بضميرِ الخطاب مراعاةً لمريم أو بضميرِ الغَيْبة مراعاةً للاسم الظاهر. قال الشيخ: " وقد ذَكَرْنا أنه يجوزُ في " ورسولاً " أن يكونَ منصوباً بإضمار فعلٍ أي: وأُرْسِلْتُ رسولاً " فعلى هذا التقديرِ يكون " مصدقاً " معطوفاً على " رسولاً ".

قوله: { مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ } فيه وجهان، أحدُهما: أنه حالٌ من " ما " الموصولةِ أي: الذين بين يديَّ حالَ كونِهِ من التوراةِ، فالعامِلُ فيه " مصدقاً " لأنه عاملٌ في صاحبِ الحال، والثاني: أنه حالٌ من الضمير المستترِ في الظرفِ الواقِعِ صلةً، والعامِلُ فيه الاستقرارُ المضمرُ في الظرفِ أو نفسُ الظرفِ لقيامِهِ مقامَ الفعلِ.

قوله: { وَلأُحِلَّ } فيه أوجه أحدها: أنه معطوفٌ على معنى " مصدقاً " إذ المعنى: جئتُكم لأصدِّقَ ما بين يديّ ولأُحِلَّ لكم، ومثلُه من الكلام: " جئتُه معتذراً إليه ولأجتلِبَ رضاه، أي: جئتُ لأعتذرَ ولأجتلبَ، كذا قال الواحدي وفيه نظرٌ، لأن المعطوفَ عليه حال، وهذا تعليلٌ. قال الشيخ بعد أَنْ ذَكَرَ هذا الوجهَ: " وهذا هو العطفُ على التوهُّمِ وليس هذا منه، لأن معقوليةَ الحالِ مخالفةٌ لمعقوليةِ التعليلِ، والعطفُ على التوهم لا بد أَنْ يكونَ المعنى مُتَّحِداً في المعطوفِ والمعطوفِ عليه، ألا ترى إلى قوله:فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن } [المنافقون: 10] كيف اتَّحد المعنى من حيث الصلاحيةُ لجوابِ التخضيض، وكذلك قولُه:
1303ـ تَقِيٌّ نَقِيٌّ لم يُكَثِّرْ غنيمةً     بنَهْكَةٍ ذي قُرْبى ولا بِحَقَلِّدِ
كيف اتَّحد معنى النفي في قولِه: " لم يُكَثِّرْ " وفي قوله: " ولا بحقلَّد " أي: ليس بمكثرٍ ولا بحقلدٍ، وكذلك ما جاء منه ".

السابقالتالي
2 3