الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيُعَلِّمُهُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ }

قوله تعالى: { وَيُعَلِّمُهُ }: قرأ نافع وعاصم: " ويُعَلِّمُه " بياء الغَيْبَة، والباقون بنونِ المتكلمِ المعظِّمِ نفسَه، وعلى كلتا القراءتين ففي محلِّ هذه الجملة أوجهٌ، أَحَدُها: أنها معطوفةٌ على " يُبَشِّرُكِ " أي: إن الله يبشرك بكلمةُ ويُعَلِّمُ ذلك المولودَ المعبَّرَ عنه بالكلمةِ. الثاني: أنها معطوفةٌ على " يَخْلُق " أي: كذلك اللهُ يَخْلُق ما يشاء ويعلمه، وإلى هذين الوجهين ذهب جماعةٌ منهم الزمخشري وأبو عليّ الفارسي. وهذا الوجهان ظاهران على قراءة الياء. وأمَّا قراءةُ النون فلا يظهرُ هذان الوجهان عليها إلا بتأويلِ الالتفاتِ من ضمير الغَيْبة إلى ضميرِ المتكلم إيذاناً بالفخامةِ والتعظيم. فأمَّا عطفُهُ على " يُبَشِّرُكِ " فقد استبعَدَه الشيخ جداً قال: " لطولِ الفصلِ بين المعطوفِ والمعطوفِ عليه " وأمَّا عطفُه على " يَخْلُق " فقال الشيخ: " وهو معطوفٌ عليه سواءً كانت ـ يعني يخلق ـ خبراً عن اللهِ تعالى أم تفسيراً لما قبلها، إذا أَعْرَبْتَ لفظ " الله " مبتدأً، وما قبلَه الخبرُ " يعني أنه قد تقدَّم في إعرابِ " كذلك اللهُ " في قصة زكريا أوجهٌ أحدُها: ما ذَكر، فـ " يُعَلِّمُه معطوفٌ على " يَخْلُق " بالاعتبارينِ المذكورينِ، إذ لا مانعَ من ذلك. وعلى هذا الذي ذكرَه الشيخُ وغيرُه تكون الجملةُ الشرطيةُ معترضةً بين المعطوفِ والمعطوف عليه، والجملةُ من " يُعَلِّمُهُ " في الوجهينِ المتقدِّمين مرفوعةُ المحلِّ لرفعِ محلِّ ما عَطَفَتْ عليه.

الثالث: أَنْ يُعْطَفَ على " يُكَلِّمُ " فيكون منصوباً على الحالِ، والتقديرُ: يُبَشِّرُكِ بكلمةٍ مُكَلِّماً ومُعَلِّماً الكتابَ، وهذا الوجهُ جَوَّزه ابنُ عطية وغيره.

الرابع: أن يكونَ معطوفاً على " وجيهاً " لأنه في تأويلِ اسمٍ منصوب على الحالِ، كما تقدَّم تقريرُهُ في قوله: " ويكلِّم ". وهذا الوجهُ جَوزَّه الزمخشري واستبعدَ الشيخُ هذين الوجهين الأخيرين ـ أعني الثالث والرابع ـ قال: " لطولِ الفصلِ بين المعطوفِ والمعطوفِ عليه، ومثلُه لا يُوجَدُ في لسانِ العرب ".

الخامس: أَنْ يَكُون معطوفاً على الجملةِ المحكية بالقولِ، وهي: " كذلك الله يخلق " قال الشيخ: " وعلى كلتا القراءتين هي معطوفةٌ على الجملةِ المَقُولَةِ، وذلك أنَّ الضميرَ في قوله: " قال كذلك " الله تعالى، والجملةُ بعدَه هي المقولةُ، وسواءً كانَ لفظُ " الله " مبتدأً خبرُهُ ما قبلَه أم مبتدأً وخبرُه " يَخلق " على ما مَرَّ إعرابُهُ في " قال: كذلك اللهُ يفعل ما يشاء " فيكونُ هذا من المقولِ لمريم على سبيلِ الاغتباطِ والتبشيرِ بهذا الولدِ الذي يُوجِدُهُ اللهُ منها.

السادس: أن يكونَ مستأنفاً لا محلَّ له من الإِعراب، قال الزمخشري بعد أَنْ ذَكَرَ فيه أنه يجوزُ أَنْ يكونَ معطوفاً على " نبشِّرك " أو " يَخْلُق " أو " وجيهاً ": " أو هو كلامٌ مبتدأٌ " يعني مستأنفاً.

السابقالتالي
2 3