الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوۤءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ }

قوله تعالى: { يَوْمَ تَجِدُ }: في ناصِبة أوجهٌ، أحدُها: أنه منصوب بقدير، أي قديرٌ في ذلك اليوم العظيم، لا يقال: يَلْزَمُ من ذلك تقييدُ قدرتِه بزمانٍ، لأنَّه إذا قَدَر في ذلك اليومِ الذي يَسْلُب كلَّ أحد قدرته فلأَنْ يَقْدِرَ في غيرِه بطريقٍ أولى وأَحْرى، وإلى هذا ذهب أبو بكر ابن الأنباري.

الثاني: أنه منصوبٌ بيُحَذِّركم أي: يُخَوِّفكم عقابَه في ذلك اليوم، وإلى [هذا] نحا أبو إسحاق، ورجَّحه. ولا يجوز أن ينتصبَ بيحذِّركم المتأخرةِ. قال ابن الأنباري: " لأنه لا يجوزُ أن يكونَ " اليوم منصوباً بيحذِّركم المذكورِ في هذه الآية، لأنَّ واو النسق لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، وعلى ما ذكره أبو إسحاق يكون ما بين الظرفِ وناصبِه معترضاً، وهو كلامٌ طويل، والفصلُ بمثله مستبعدٌ، هذا من جهة الصناعة، وأما من جهة المعنى فلا يَصِحُّ، لأن التخويف موجودٌ، واليومَ موعودٌ فكيف يتلاقيان ".

الثالث: أن يكونَ بالمصير، وإليه نحا الزجاج أيضاً وابن الأنباري ومكي وغيرُهم، وهذا ضعيفٌ على قواعد البصريين، للزومِ الفصلِ بين المصدرِ ومعمولِه بكلامٍ طويل، وقد يقال: إنَّ جُمَل الاعتراض لا نبالي بها فاصلةً، وهذا من ذاك.

الرابع: أن ينتصبَ بـ " اذكر " مقدراً مفعولاً به لا ظرفاً. وقَدَّر الطبري الناصبَ له " اتقوا " ، وفي التقدير ما فيه من كونِه على خلافِ الأصل مع الاستغناء عنه.

الخامس: أنَّ العامل فيه ذلك المضافُ المقدَّر قبل " نفسَه " أي: يحذركم الله عقابَ نفسِه يومَ تجد، فالعاملُ فيه " عقاب " لا " يحذركم " ، قاله أبو البقاء. وفي قوله { لا يحذِّركم } فرارٌ مِمَّا أَوْردته على أبي إسحاق كما تقدّم تحقيقه.

السادس: أنه منصوبٌ بتودُّ، قال الزمخشري: " يومَ تجد منصوب بتود، والضمير في " بينه " لليوم، أي: يوم القيامة حين تجد كل نفس خيرَها وشرَّها [حاضرين]، تتمنَّى لو أنَّ بينها وبين ذلك اليوم وَهوْلِهِ أمداً بعيداً ". وهذا الذي ذكره الزمخشري وجهٌ ظاهرٌ لا خفاء بحسنه، ولكنْ في هذه المسألة خلافٌ ضعيف: جمهور البصريين والكوفيين على جوازها، وذهب الأخفش والفراء إلى مَنْعها، وضابطُ هذه المسألة: أنه إذا كان الفاعل ضميراً عائداً على شيء متصلٍ بمعمول الفعل نحو: ثوبي أخويك يلبَسان " فالفاعلُ هو الألف، وهو ضمير عائد على " أخويك " المتصلين بمفعول يلبسان، ومثله: " غلامَ هند ضربَتْ " ففاعل " ضربَتْ " ضمير عائدٌ على " هند " المتصلةِ بغلام المنصوب بضرَبتْ، والآيةُ من هذا القبيل: فإن فاعل " تودُّ " ضميرٌ عائد على " نفس " المتصلةِ بيوم لأنها في جملة، أُضيف الظرفُ إلى تلك الجملة، والظرفُ منصوبٌ بتودُّ، والتقدير: يوم وجدانِ كلِّ نفسٍ خيرَها وشَرَّها مُحْضَرين تَوَدُّ كذا.

السابقالتالي
2 3 4 5 6