الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ }

قولُهُ تعالى: { لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ }: العامَّة على قراءتِهِ نهياً، وقرأ الضبي: " لا يتَّخِذُ " برفع الدال نفياً بمعنى لا ينبغي، أو هو خبر بمعنى النهي نحو:لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ } [البقرة: 233] ووَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ } [البقرة: 282] فيمن رفع الراء. قال أبو البقاء وغيرُه: " وأجاز الكسائي رفعَ الراء على الخبر، والمعنى: لا ينبغي " وهذا موافِقٌ لِما قاله الفراء، فإنه قال: " ولو رُفع على الخبرِ كقراءةِ مَنْ قرأ: " لا تضارُّ والدة " جاز ". قال أبو إسحاق: " ويكون المعنى على الرفعِ أنه مَنْ كان مؤمناً فلا ينبغي أن يَتَّخِذَ الكافرُ ولياً " كأنهما لم يَطَّلِعا على قراءةِ الضبّي، أو لم تَثْبُتْ عندهما. و " يَتَّخِذُ " يجوز أن تكونَ المتعديةَ لواحد فيكونُ " أولياء " حالاً، وأن تكونَ المتعدية لاثنين، و " أولياء " هو الثاني.

قوله: { مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } فيه وجهان، أظهرهُما: أنَّ " مِنْ " لابتداء الغاية، وهي متعلقةٌ بفعلِ الاِّتخاذ. قال علي بن عيسى: " أي: لا تَجْعَلُوا ابتداءَ الولايةِ من مكانٍ دونَ مكانِ المؤمنين " وقد تقدَّم تحقيق هذا عند قوله تعالى:وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ } [البقرة: 23] في البقرة. والثاني أجازه أبو البقاء أن يكونَ في موضِعِ نصبٍ صفةً لأولياء، فعلى هذا يتعلَّقُ بمحذوفٍ. قوله: { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ } أدغم الكسائي في رواية الليث عنه اللام في الذال هنا، وفي مواضعَ أُخَرَ تقدَّم التنبيه عليها وعلى علتِها في سورةِ البقرة.

قوله: { مِنَ ٱللَّهِ } الظاهِرُ أنَّه في محلِّ نصبٍ على الحال من " شيء " لأنه لو تأخَّر لكانَ صفةً له. و " في شيء " هو خبرُ ليس، لأن به تستقبلُّ فائدةُ الإِسناد، والتقدير: فليس في شيء كائنٍ من الله، ولا بد من حذف مضاف أي: فليس من ولاية الله، وقيل: مِنْ دِينِ الله. ونَظَّر بعضُهم الآية الكريمة ببيت النابغة:
1223ـ إذا حاوَلْتَ في أسدٍ فُجُوراً     فإنِّي لَسْتُ منك ولَسْتَ مِنِّي
قال الشيخ: " والتنظير ليس بجيدٍ، لأنَّ " منك " و " مني " خبر " ليس " ، تستقل به الفائدة، وفي الآية: الخبرُ قولُه " في شيء " فليس البيت كالآية ".

وقد نحا ابنُ عطيةَ هذا المَنْحَى الذي ذكرته عن بعضهم فقال: " فليس من الله في شيء مَرْضِيٍّ على الكمال والصواب، وهذا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " مَنْ غَشَّنا فليس منا " وفي الكلامِ حَذْفُ مضافٍ تقديرُهُ: فليس من التقرُّب إلى الله والثوابِ ونحو هذا، وقولُه: " في شيء " هو في موضِعِ نصبٍ على الحالِ من الضميرِ الذي في قولِهِ: " ليس مِنَ الله ".

السابقالتالي
2 3 4