الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ تُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلْنَّهَارِ وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَتُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ ٱلَمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

قوله تعالى: { تُولِجُ }: كقولِهِ: " تُؤْتِي " وقد تقدَّم ما فيه، ويقال: وَلَجَ يَلِجُ وُلوجاً ولِجَةً كَعِدَةً ووَلْجاً كَوَعْدٍ، واتَّلَجَ يَتَّلِجُ اتِّلاجاً، والأصل: اوْتَلَجَ يَوْتَلِجُ اوْتِلاَجاً، فَقُلِبَتْ الواوُ تاءً قبلَ تاءِ الافتعالِ نحو: اتَّعَدَ يَتَّعِدُ اتِّعاداً قال الشاعر:
1221ـ فإنَّ القوافِي تَتَّلِجْنَ مَوالِجاً     تضايَقُ عنها أَنْ تَوَلَّجَها الإِبَرْ
والوُلوجُ: الدخولُ، والإِيلاجُ: الإِدْخال، ومعنى الآية على ذلك. وقول مَنْ قال معناه: النقص فإنما أراد أنه من باب اللازم، لأنه تبارك وتعالى إذا أَدْخَلَ مِنْ هذا في هذا فقد نَقَصَ من المأخوذِ منه المُدْخَلُ في ذلك الآخرِ، وزعم بعضُهم أن " تُولِج " بمعنى ترفع، وأن " في " بمعنى " على " وليس بشيء.

قوله: { مِنَ ٱلْمَيِّتِ } اختلف القُرَّاء في هذه اللفظة على مراتب: فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وأبو بكرٍ عن عاصم لفظ " المَيْت " من غير تاء تأنيث مخففاً في جميع القرآن، وسواءً وُصِفَ به الحيوانُ نحو: { تُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ } أو الجمادُ نحو قوله تعالى:إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيِّتٍ } [فاطر: 9]لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ } [الأعراف: 57] منكَّراً أو معرَّفاً كما تقدَّم ذكره إلا قولَه تعالى:إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ } [الزمر: 30]، وقولَه:وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ } [الآية: 17] في إبراهيم، مما لم يَمُتْ بعدُ فإن الكلَّ ثَقَّلوه، وكذلك لفظُ " الميتة " في قوله:وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلأَرْضُ ٱلْمَيْتَةُ } [يس: 33] دونَ الميتةِ المذكورةِ مع الدمِ فإنَّ تَيْكَ لم يشددها إلا بعضُ قُرَّاء الشواد، وقد تقدَّم ذكرُها في البقرة، وكذلك قولُهُ:وَإِن يَكُن مَّيْتَةً } [الأنعام: 139] وبَلْدَةً مَّيْتاً } [الزخرف: 11] وإِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً } [الأنعام: 145] فإنها مخففات عند الجميع. وثَقَّل نافع جميعَ ذلك، والأخوان وحفص عن عاصم وافقوا ابن كثير ومَنْ معه في الأنعام في قوله:أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ } [الآية: 122] وفي الحجرات:أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً } [الآية: 12]، و { ٱلأَرْضُ ٱلْمَيْتَةُ } في يس، ووافقوا نافعاً فيما عدا ذلك، فجَمعوا بين اللغتين إيذاناً بأن كُلاًّ من القراءتين صحيحٌ، وهما بمعنًى، لأنَّ فَيْعِل يجوزُ تخفيفُه في المعتل بحذف إحدى يائيه فيقال: هَيْن وهيِّن ولَيْن وليِّن ومَيْت ومَيِّت، ومنه قولُ الشاعر فَجَمَعَ بين اللغتين:
1222ـ ليسَ مَنْ ماتَ فاستراحَ بميْتٍ    إنَّما المَيْتُ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ
إنما المَيْتُ مَنْ يعيشُ كئيباً     كاسِفاً بالُهُ قليلُ الرَّجاءِ
وزعم بعضهم أن " مَيْتاً " بالتخفيف لمَنْ وقع به الموت، وأنَّ المشدَّد يُستعمل فيمَنْ ماتَ ومَنْ لم يَمُتْ كقوله تعالى:إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ } [الزمر: 30] وهذا مردودٌ بما تقدَّم من قراءةِ الأخَوين وحفص، حيث خَفَّفوا في موضعٍ لا يمكِنُ أن يرادَ به الموتُ وهو قولُهُ:أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً } [الأنعام: 122] إذا المرادُ به الكفرُ مجازاً.

هذا بالنسبة إلى القُرَّاء، وإن شئت ضَبَطْتَه باعتبار لفظ " الميت " فقلت: هذا اللفظُ بالنسبة إلى قراءة السبعة ثلاثةُ أقسام: قسمٌ لا خلاف في تثقيله وهو ما لم يَمُتْ نحو { وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ } و { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ } ، وقسمٌ لا خلافَ في تخفيفه وهو ما تقدم في قوله: { ٱلْمَيْتَةَ وَٱلدَّمَ } و { إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً } وقوله: { وَإِن يَكُن مَّيْتَةً } وقوله { فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً } وقسمٌ فيه الخلافُ وهو ما عدا ذلك وقد تقدَّم تفصيلُهُ.

السابقالتالي
2