الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَٰشِعِينَ للَّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلـٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ }

قوله تعالى: { لَمَن يُؤْمِنُ }: اللام لام الابتداء دَخَلَتْ على اسم " إنَّ " لتأخُّره عنها. و { مِنْ أَهْلِ } خبرٌ مقدم، و " مَنْ " يجوزُ أن تكونَ موصولةً، وهو الأظهرُ، وموصوفةً أي: لقوماً، و " يؤمِنْ " صلةٌ على الأول فلا محلَّ له، وصفةٌ على الثاني فمحلُّه النصب, وأتَى هنا بالصلةِ مستقبلةً وإن كان ذلك قد مضى، دلالةً على الاستمرارِ والديمومة.

قوله: { خَاشِعِينَ } فيه أربعةُ أوجه، أحدها: أنه حالٌ من الضمير في " يؤمنُ " ، وجَمَعَه حَمْلاً على معنى " مَنْ " كما جَمَع في قوله: " إليهم " ، وبدأ بالحمل على اللفظ ـ في " يُؤمِنُ " ـ على الحمل على المعنى لأنه الأَوْلى. الثاني: أنه حالٌ من الضمير في " إليهم " ، فالعامل فيه " أنزل ". الثالث: أنه حالٌ من الضمير في " يَشْترون " ، وتقديمُ ما في حَيِّز " لا " عليها جائزٌ على الصحيح، وتقدَّم شيء من ذلك في الفاتحة. الرابع: أنه صفةٌ لـ " مَنْ " إذ قيل بأنها نكرةٌ موصوفةٌ، وأمَّا الأوجهُ فجائزةٌ سواءً كانت موصولةً أو نكرةً موصوفة.

قوله: " لله " فيه وجهان، أحدُهما: أنه متعلقٌ بـ " خاشعين " أي لأجلِ الله. والثاني: أن يتعلَّقَ بـ " لا يَشْتُرون " ذكره أبو البقاء، قال: " وهو في نيةِ التأخير، أي: لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً لأجل الله ".

قوله: { لاَ يَشْتَرُونَ } كقولِه: " خاشعين " إلا في الوجه الثالث لتعذُّرِه، ونزيد عليه وجهاً آخرَ: وهو أن يكونَ حالاً من الضمير المستكنِّ في " خاشعين " أي: غيرَ مشترين. وتقدَّم معنى الخشوع والاشتراء وما قيل فيه وفي الباء في البقرة.

قوله: { أُوْلۤـٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ } " أولئك " مبتدأ. وأمَّا { لَهُمْ أَجْرُهُمْ } ففيه ثلاثة أوجه، أحدها: أن يكون " لهم " خبراًً مقدماً، و " أجرهم " مبتدأ مؤخرٌ، والجملةُ خبر الأول، وعلى هذا فالظرف فيه وجهان، أحدُهما: أنه متعلقٌ بـ " أجرهم " ، والثاني: أنه حالٌ من الضمير في " لهم " وهو ضميرُ الأجرِ لأنه واقعٌ خبراً.

الوجه الثاني: أن يرتفعَ " أجرُهم " بالجارِّ قبله، وفي الظرف الوجهان، إلاَّ أنَّ الحالَ من " أجرهم " الظاهرُ، لأنَّ " لهم " لا ضميرَ فيه حينئذٍ. الثالث: أنَّ الظرفَ هو خبرُ " أجرهم " و " لهم " متعلق بما تعلَّقَ به هذا الظرفُ من الثبوتِ والاستقرار. ومن هنا إلى آخر السورة تقدَّم إعراب نظائره.