الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ وَمَا ٱخْتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ }

قوله تعالى: { إِنَّ الدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ }: قرأ الكسائي بفتحِ الهمزةِ والباقون بكسرِها. فأمَّا قراءةُ الجماعَةِ فعلى الاستئنافِ، وهي مؤكدةٌ للجملة الأولى: قال الزمخشري: " فإنْ قلت: ما فائدةُ هذا التوكيدِ؟ قلتْ: فائدتُهُ أنَّ قولَه: " لا إله إلا هو " توحيدٌ، وقولَه: " قائماً بالقِسْطِ " تعديلٌ، فإذا أَردْفه قولَه: { إِنَّ الدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ } فقد آذن أن الإِسلام هو العدلُ والتوحيد، وهو الدينُ عند الله، وماعداه فليس في شيء من الدين عنده ".

وأمَّا قراءةُ الكسائي ففيها أوجهٌ، أحدُها: أنها بدلٌ من " أنه لا إله إلا هو " على قراءةِ الجمهور في " أنه لا إله إلا هو " وفيه وجهان، أحدهما: أنه من بدلِ الشيءِ من الشيء، وذلك أنَّ الدين الذي هو الإِسلام يتضمَّنُ العدْلَ والتوحيدَ وهو هو في المعنى. والثاني: أنه بدلُ اشتمالٍ لأنَّ الإِسلامَ يشتمِلُ على التوحيدِ والعَدْلِ.

الثاني من الأوجه السابقة أن يكونَ " أنَّ الدين " بدلاً من قوله " قائماً بالقسط " ثم لك اعتباران، أحدُهما: أَنْ تَجْعَله بدلاً من لفظِهِ فيكونُ محلُّ " أنَّ الدين " الجرَّ. والثاني: أن تجعلَه بدلاً مِنْ مَوْضِعِه فيكونُ محلُّها نصباً. وهذا الثاني لا حاجةَ إليه وإن كان أبو البقاء ذكره، وإنما صَحَّ البدلُ في المعنى؛ لأنَّ الدينَ الذي هو الإِسلامُ قِسْطٌ وعَدْلٌ، فيكونُ أيضاً من بدلِ الشيءِ من الشيء، وهما لعينٍ واحدةٍ/. ويجوزُ أَنْ يكونَ بدلَ اشتمال لأنَّ الدينَ مشتملٌ على القسطِ وهو العدلُ. وهذه التخاريجُ لأبي علي الفارسي، وتَبِعَهُ الزمخشري في بَعْضِها. قال الشيخ: " وأبو علي معتزلي فلذلِكَ يشتمل كلامُه على لفظِ المعتزلةِ من العدلِ والتوحيد " قلت: ومَنْ يرغَبُ عن التوحيدِ والعدلِ من أهلِ السنةِ حتى يَخُصَّ به المعتزلَة؟ وإنما رأى في كلامِ الزمخشري هذه الألفاظَ كثيراً، وهو عنده معتزليٌّ، فَمَن تَكَلَّم بالتوحيدِ والعَدْلِ كان عندَه معتزلياً.

ثم قال: " وعلى البدل من " أنه " خَرَّجه هو وغيرُه، وليس بجيد لأنه يُؤَدِّي إلى تركيبٍ بعيدٍ أَنْ يأتيَ مثلُه في كلامِ العربِ وهو: " عَرَف زيدٌ أنه لا شجاعَ إلا هو وبنو دارم ملاقياً للحروب لا شجاع إلا هو البطل الحامي أنَّ الخَصْلَةَ الحميدةَ هي البسالةُ " وتقريبُ هذا المثال: " ضرب زيدٌ عائشةً والعُمَران حَنِقاً أختَك " فَحَنِقاً حالٌ من زيد، وأختَك بدلٌ من عائشةً، ففصل بين البدلِ والمبدلِ منه بالعطفِ، وهو لا يجوزُ، وبالحالِ لغيرِ المُبْدَلِ منه، وهو لا يجوزُ، لأنه فُصِلَ بأجنبي بين المُبْدَلِ منه والبدل " انتهى.

قوله: " عرف زيد " هو نظيرُ: " شهد الله " وقوله: " أنه لا شجاع إلا هو " نظير " أنه لا إله إلا هو ".

السابقالتالي
2 3 4 5