الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ ٱلأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ }

قوله تعالى: { قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ }: العامل في " إنَّ " هو " قالوا " فـ " إنَّ " وما في حَيِّزها/ منصوب المحل بـ " قالوا " لا بالقول. وأجاز أبو البقاء أن تكونَ المسألة من باب التنازع ـ أعني بين المصدر وهو " قول " وبين الفعل وهو " قالوا " ـ تنازعا في " أَنْ " وما في حَيِّزها، قال: " ويجوز أن يكون معمولاً لـ " قول " المضافِ لأنه مصدرٌ، وهذا تخريجٌ على قول الكوفيين في إعمال الأول وهو قولٌ ضعيف، ويزداد هنا ضعفاً بأن الثاني فعلٌ والأولُ مصدرٌ، وإعمالُ الفعل أقوى ". وظاهرُ كلامه أنَّ المسألةَ من التنازع، وإنما الضعف عنده من جهةِ إعمال الأول فلو قَدَّرْنا إعمالَ الثاني كان ينبغي أن يجوزَ عنده، لكنه يمنع من ذلك مانعٌ آخر وهو: أنه إذا احتاج الثاني إلى ضمير المتنازع فيه أخذه ولا يجوزُ حذفُه، وهو هنا غير مذكور، فدل على [هذا] أنها عنده ليست من التنازع إلا على قول الكوفيين، وهو ضعيف كما ذكر. وانظر كيف أكَّدوا الجملةَ المشتملةَ على ما أسندوه إليه تعالى وإلى عدمِ ذلك فيما أسندوه لأنفسِهم كأنه عند الناس أمرٌ معروف.

قوله: { سَنَكْتُبُ } قرأ حمزة بالياء مبنياً لِما لم يُسَمَّ فاعلُه، و " ما " وصلتُها قائمٌ مقامَ الفاعلِ. و " قَتْلُهم " بالرفعِ عطفاً على الموصولِ، و " يقول " بياء الغيبة. والباقون بالنون للمتكلم العظيم، فـ " ما " منصوبةٌ المحلِّ، و " قتلَهم " بالنصبِ عطفاً عليها، و " نقولُ " بالنون أيضاً. وقرأ طلحة ابن مصرف: " سَتُكْتب " بتاءِ التأنيث على تأويلِ " ما قالوا " بمقالتهم. وقرأ ابن مسعود ـ وكذلك هي في مصحفه ـ: " سنكتب ما يقولون ويُقال ". والحسن والأعرج: " سَيَكْتب " بالغيبة مبنياً للفاعل أي: الله تعالى أو الملك، و " ما " في جميع ذلك يجوزُ أَنْ تكونَ موصولةً اسميةً ـ وهو الظاهر ـ وحُذِفَ العائِدُ لاستكمالِ شروطِ الحذفِ تقديرُه: سنكتب الذي يقولونه. ويجوز أن تكونَ مصدريةً أي: قولَهم، ويُراد به إذ ذاك المفعولُ به أي: مقولَهم، كقولهم: " ضَرْب الأمير ".