الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَللَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

قوله تعالى: { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ }: قرأ حمزة بالخطاب، والباقون بالغيبة. فأمَّا قراءةُ حمزة فـ " الذين " مفعولٌ أولُ، و " خيراً " هو الثاني، ولا بُدَّ من حذف مضاف لِيَصْدُقَ الخبرُ على المبتدأِ، تقديرُه: ولا تَحْسَبَنَّ بُخْلَ الذين يبخلون. قال أبو البقاء: " وهو ضعيفٌ لأنَّ فيه إضمارَ البخلِ قبل ذِكْر ما يَدُلُّ عليه " وفيه نظرٌ، لأنَّ الدلالةَ على المحذوف قد تكونُ متقدمةً وقد تكون متأخرةً، وليس هذا من بابِ الإِضمارِ في شيء حتى يُشْتَرَطَ فيه تقدُّمُ ما يَدُلُّ على ذلك الضميرِ.

و " هو " فيه وجهان، أحدُهما: أنه فَصْلٌ بين مفعولي " تحسبن ". والثاني ـ قاله أبو البقاء ـ: أنه توكيدٌ، وهو خطأ، لأنَّ المضمر لا يُؤكِّد المُظْهَر، والمفعول الأول اسمٌ مظهر ولكنه حُذِف كما تقدم، وبعضُهم يُعَبِّر عنه فيقول: " أُضمر المفعولُ الأولُ " يعني حُذِفَ فلا يُغْتَرَّ بهذه العبارةِ، و " هو " في هذه المسألةِ يتعيَّن فَصْلِيَّتُه لأنه لا يخلو: إمَّا أَنْ يكونَ مبتدأً أو بدلاً أو توكيداً، والأولُ منتفٍ لنصبِ ما بعده ـ وهو خيراً ـ وكذا الثاني لأنه كان يلزمُ أَنْ يوافِقَ ما قبلَه في الإِعرابِ فكان ينبغي أَنْ يُقالَ إياه لا " هو " ، وكذا الثالثُ لِما تقدَّم.

وأمَّا قراءةُ الجماعةِ فيجوزُ فيها أَنْ يكونَ الفعلُ مسنداً إلى ضمير غائب: إمَّا الرسولُ أو حاسِبٌ ما، ويجوزُ أَنْ يكونَ مسنداً إلى " الذين " ، فإنْ كان مسنداً إلى ضميرِ غائبٍ فـ " الذين " مفعولٌ أولُ على حَذْفِ مضافٍ كما تقدَّم ذلك في قراءةِ حمزة أي: بخلَ الذين، والتقدير: ولا يَحْسَبَنَّ الرسولُ ـ أو أحدُ ـ بخلَ الذين يبخلون خيراً. و " هو " فصل كما تقدَّم، فتتحدُ القراءاتان معنىً وتخريجاً. وإنْ كان مسنداً لـ " الذين " ففي المفعولِ الأولِ وجهان، أحدُهما: أنه محذوفٌ لدلالةِ " يبخلون " عليه كأنه قيل: " ولا يَحْسَبَنَّ الباخِلون بخلَهم هو خيراً لهم " و " هو " فصلٌ. قال ابن عطية: " ودَلَّ على هذا البخلِ " يبخلون " كما دَلَّ " السفيه " على " السَّفَه " في قوله:
1501ـ إذا نُهِي السَّفيهُ جرى إليه     وخالَفَ والسفيهُ إلى خلافِ
أي: جرى إلى السفة ". قال الشيخ: " وليست الدلالةُ فيها سواءً لوجهين، أحدُهما: أنَّ دلالةَ الفعلِ على المصدرِ أَقْوى مِنْ دلالةِ اسمِ الفاعلِ عليه وأكثرُ، ولا يوجَدُ ذلك إلا في هذا البيت أوغيرِه إن ورد. الثاني: أنَّ البيتَ فيه إضمارٌ لا حذفٌ، والآيةُ فيها حَذْفٌ.

الوجه الثاني: أنَّ المفعولَ نفس " هو " ، وهو ضميرُ البخل الذي دَلَّّ عليه " يبخلون " كقولِه:

السابقالتالي
2