الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا ذٰلِكُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ }

قوله تعالى: { إِنَّمَا ذٰلِكُمُ ٱلشَّيْطَانُ }: " إنما " حرف مكفوف بـ " ما " عن العمل، وقد تقدَّم القول فيها أولَ هذا الكتاب. وفي إعراب هذه الجملةِ خمسةُ أوجه، أحدها: أن يكون " ذلكم " مبتدأ و " الشيطان " خبره، و { يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ } حالٌ بدليل قوع الحال الصريحة في مثل هذا التركيب نحو:وَهَـٰذَا بَعْلِي شَيْخاً } [هود: 72]فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً } [النمل: 52].

الثاني: أن يكونَ " الشيطانُ " بدلاً أو عطف بيان، و " يُخَوِّفُ " الخبر ذكره أبو البقاء. الثالث: أن كونَ " الشيطان " نعتاً لاسمِ الإِشارة، و " يُخَوِّفُ " الخبر، على أن يُراد بالشيطان نعيم أو أبو سفيان. ذكره الزمخشري. قال الشيخ: " وإنما قال: " والمراد بالشيطان نعيم أو أبو سفيان " لأنه لا يكونُ نعتاً والمرادُ به إبليس لأنه إذ ذاك يكون علماً بالغلبة كالعَيُّوق، إذ هو في الأصل صفةٌ ثم غَلب على إبليس " وفيه نظر. الرابع: أن يكون " ذلكم " ابتداءً وخبراً، و " يُخَوِّف " جملةً مستأنفة بيانٌ لشيطنته، والمرادُ بالشيطان هو المُثَبِّط للمؤمنين. الخامس: أن يكون: " ذلكم " مبتدأ، و " الشيطانُ " مبتدأ ثانٍ، و " يُخَوِّف " خبرُ الثاني، والثاني وخبرُه خبر الأول قاله ابن عطية. وقال " وهذا الإِعرابُ خيرٌ في تناسق المعنى من أن يكون " الشيطان " خبر " ذلكم " لأنه يَجِيء في المعنى استعارةً بعيدة.

وَردَّ عليه الشيخ هذا الإِعرابَ إنْ كان الضمير في " أولياءه " عائداً على الشيطان؛ لخلوِّ الجملة الواقعة خبراً مِنْ رابط يربطها بالمبتدأ وليست نفسَ المبتدأ في المعنى نحو: " هِجِّيرى أبي بكر: لا إله إلا الله " ، وإن عاد على " ذلكم " ويُراد بذلكم غيرُ الشيطان جاز، ويصير نظيرَ: " إنما هند زيدٌ يضربُ عبدها " والمعنى: إنما ذلكم الركب أو أبو سفيان الشيطانُ يخوفكم أنتم أولياءَه أي: أولياءَ الركب أو أولياء أبي سفيان.

والمشار إليه بـ " ذلكم " هل هو عينٌ أو معنى؟ فيه احتمالان، أحدهما: أنه إشارة إلى ناس مخصوصين كنعيم وأبي سفيان وأشياعهما على ما تقدم. والثاني: أنه إشارة إلى جميع ما جرى من أخبار الركب وإرسال أبي سفيان وجَزَعِ مَنْ جَزَعَ، وعلى هذا التقدير فلا بد من حذف مضاف أي: فِعْلَ الشيطان، وقَدَّره الزمخشري: " قولَ الشيطان " أي: قولَه السابق وهو { إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ } وعلى كلا التقديرين ـ أعني كون الإِشارة لأعيانٍ أو معان ـ فالإِخبار بالشيطان عن " ذلكم " مجاز، لأنَّ الأعيان المذكورين والمعاني من الأقوال والأفعالِ الصادرة من الكفارِ ليست نفسَ الشيطان، وإنما لما كانت بسببه ووسوسته جاز ذلك.

السابقالتالي
2