الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱنْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوۤءٌ وَٱتَّبَعُواْ رِضْوَانَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ }

قولُه تعالى: { بِنِعْمَةٍ }: فيه وجهان أحدهما: أنها متعلقةٌ بنفس الفعل على أنها باءُ التعدية. والثاني: أنها تتعلَّقُ بمحذوفٍ على أنها حالٌ من الضميرِ في " انقلبوا " والباءُ على هذا للمصاحبةِ كأنه قيل: فانقلبوا ملتبسينَ بنعمةٍ ومصاحبين لها.

قوله: { لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوۤءٌ } هذه الجملةٌ في محل نصب على الحال أيضاً، وفي ذي الحال وجهان أحدهما: أنه فاعلُ " انقلبوا " أي: انقلبوا سالمين من السوء. والثاني: أنه الضميرُ المستكنُّ في " بنعمة " إذا كانت حلاً، والتقديرُ: فانقلبوا مُنَعَّمين بريئين من السوء، والعامل فيها العاملُ في " بنعمة " فهما حالان متداخلتان، والحال إذا وقعت مضارعاً منفياً بـ " لم " وفيها ضميرُ ذي الحال جاز دخولُ الواو وعدمُه، فمِن الأول قولُه تعالى:أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ } [الأنعام: 93] وقولُ كعب:
1493ـ لا تَأْخُذَنِّي بأقوالِ الوشاةِ ولم     أُذْنِبْ وإنْ كَثُرَتْ فِيَّ الأقاويلُ
ومن الثاني هذه الآيةُ وقَولُه:وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً } [الأحزاب: 25]، وقولُ قيس بن الأسلت:
1494ـ وأضرِبُ القَوْنَسَ يوم الوغى     بالسيفِ لم يَقْصُرْ به باعِي
وبهذا يُعْرف غلط الأستاذ ابن خروف حيث زعم أنه الواو لازمةٌ في مثل هذا، سواءً كان في الجملة ضميرٌ أم لم يكن.

قوله: { وَٱتَّبَعُواْ } يجوز في ِهذه الجملة وجهان، أحدهما: أنها عطف على " انقلبوا ". والثاني: أنها حال من فاعل " انقلبوا " أيضاً، ويكونُ على إضمار " قد " أي: وقد اتبعوا.