الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوِ ٱدْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ }

قوله تعالى: { وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ }: هذه الجملةُ تحتمل وجهين، أحدهما: أن تكونَ استئنافيةً، أخبر الله أنهم مأمورون: إمَّا بالقتالِ وإمَّا بالدَّفعِ أي: تكثيرِ سواد المسلمين: والثاني: أن تكون معطوفة على " نافقوا " ، فتكون داخلةً في حَيِّز الموصول أي: وليعلم الذين حصل منهم النفاقُ والقولُ بكذا، و " تعالوا " " وقاتِلوا " كلاهما قائمٌ مقام الفاعل لـ " قيل " لأنه هو المقولُ، وقد تقدَّم ما فيه. قال أبو البقاء: " وإنما لم يَأْتِ بحرفِ العطفِ ـ يعني بين تعالوا وقاتِلوا ـ لأنه قَصَدَ أن تكونَ كلُّ من الجملتين مقصودةً بنفسِها، ويجوز أَنْ يُقال إنَّ المقصودَ هو الأمرُ بالقتال، و " تعالَوا " ذَكَر ما لو سَكَتَ عنه لكان في الكلام ما يَدُلُّ عليه، وقيل: الأمر الثاني حال ". يعني بقوله: " وتعالوا ذكرَ ما لو سَكَت " أي: المقصودُ إنما هو أمرُهم بالقتالِ لا مجيئُهم وحدَه، وجَعْلُه " قاتلوا " حالاً من " تعالوا " فاسدٌ؛ لأنَّ الجملة الحالية يُشْترط أن تكون خبريةً وهذه طلبيةٌ.

قوله: { أَوِ ٱدْفَعُواْ } " أو " هنا على بابِها من التخييرِ والإِباحة. وقيل: بمعنى الواو لأنه طَلَبَ منهم القتالَ والدفعَ، والأولُ هو الصحيح. وقوله: " قالوا: لو نعلمُ " إنما لم يأتِ في هذه الجملةِ بحرفِ عطفٍ لأنها جوابٌ لسؤالِ سائلٍ: كأنه قيل: فما قالوا لَمَّا قيل لهم ذلك؟ فأُجيب بأنهم قالوا ذلك. و " نعلمُ " وإنْ كان مضارعاً فمعناه المُضِيُّ لأن " لو " تُخَلِّص المضارع ـ إذ كانت لِما سيقع لوقوع غيره ـ [للمضيّ]. ونكَّر " قتالاً " أي: لو عَلِمْنا بعضَ قتالٍ ما.

قوله: { هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ } " هم " مبتدأٌ و " أقربُ " خبرُه، وهو أفعلُ تفضيلٍ، و " للكفر " متعلقٌ به، وكذلك " للإِيمان ". فإنْ قيل: " لا يتعلَّقُ حرفا جر متحدان لفظاً ومعنىً بعامل واحدٍ، إلاَّ أن يكون أحدُهما معطوفاً على الآخر أو بدلاً منه، فكيف تعلَّقاً بـ أقرب "؟ فالجواب أنَّ هذا خاصٌّ بأفعلِ التفضيل قالوا: لأنه في قوة عاملين، فإنَّ قولَك: " زيدٌ أفضلُ من عمرو " معناه: يزيدُ فضلُه على فضل عمر. وقال أبو البقاء: " وجاز أن يعملَ " أقربُ " فيهما لأنهما يُشْبِهان الظرف، وكما عمل " أطيبُ " في قولهم: " هذا بُسْراً أطيبُ منه رُطباً " في الظرفينِ المقدَّرين، لأنَّ " أفعلَ " يَدُلُّ على معنيين: على أصل الفعل وزيادتِه، فيعملُ في كلِّ واحدٍ منهما بمعنى غيرِ الآخر، فتقديرُه: يَزيدُ قربُهم إلى الكفرِ على قُرْبِهم إلى الإِيمان ".

السابقالتالي
2