قوله تعالى: { هُمْ دَرَجَاتٌ }: مبتدأُ وخبرٌ، ولا بُدَّ من تأويل في الإِخبار بالدرجات عن " هم " لأنها ليست إياهم، فيجوزُ أَنْ يكونَ جُعِلوا نفسَ الدرجاتِ مبالغةً، والمعنى: أنَّهم متفاوتون في الجزاءِ على كَسْبهم، كما أنَّ الدرجاتِ متفاوتةٌ، والأصلُ على التشبيه أي:/ هم مثلُ الدرجات في التفاوت، ومنه قوله:
1489ـ أنَصْبٌ للمنيَّةِ تَعْتَرِيهمْ
رجالي أم هُمُ دَرَجُ السُّيولِ
ويجوزُ أَنْ يكونَ على حذفِ مضافٍ أي: ذوو درجات أي: أصحاب منازلَ ورتبٍ في الثوابِ العقاب. وأجاز ابن الخطيب أن يكونَ الأصلُ: " لهم درجات " فحُذفت اللام، وعلى هذا يكونُ " درجاتٌ " مبتدأ ما قبلَها الخبرُ. وقد رَدَّ عليه بعضُ الناس، وجَعَل هذا مِنْ جَهْلِهِ وجهلِ متبوعيه من المُفَسِّرين بلسانِ العربِ وقال: " لا مساغَ لحذفِ اللامِ البتة، لأنها إنما تُحْذَفُ في مواضعَ يُضْطَرُّ إليها، وهنا المعنى واضحٌ مستقيمٌ مِنْ غيرِ تقديرِ حَذْفٍ " ، ولعَمْري إنَّ ادِّعاء حذفِ اللامِ خطأٌ، والمخطيءُ معذورٌ، ولكن قد نُقِل عن المفسرين هذا، ونُقل عن ابن عباس والحسن: " لكلٍّ درجاتٌ من الجنةِ والنار " ، فإنْ كان هذا القائل أَخَذَ من هذا الكلامِ أنَّ اللامَ محذوفةٌ فهو مخطىء، لأنَّ هؤلاء ـ رضي الله عنهم ـ يُفَسِّرون المعنى لا الإِعرابَ اللفظي. وقرأ النخعي: " درجةٌ " بالإِفراد عل الجنس. و " عند الله " فيه وجهان، أحدُهما: أَنْ يتعلَّق بـ " درجات " على المعنى لِما تضمَّنت من معنى الفعل، كأنه قيل: هم متفاضلون عند الله، وأَنْ يتعلق بمحذوفٍ صفةً لدرجات، فيكونَ في محل رفع.