الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي ٱلأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكِّلِينَ }

قوله تعالى: { فَبِمَا }: في " ما " وجهان، أحدهُما: أنها زائدةٌ للتوكيدِ والدلالةِ على أن لِينَه لهم ما كان إلا برحمةٍ من الله، ونظيرُه:فَبِمَا نَقْضِهِمْ مَّيثَاقَهُمْ } [النساء: 155]. والثاني: أنها غيرُ مزيدةٍ، بل هي نكرة وفيها وجهان، أحدهُما: أنها موصوفةٌ برحمة، أي: فبشيء رحمةٍ, والثاني: أنها غيرُ موصوفة، و " رحمةٍ " بدلٌ منها، نقله مكي عن ابن كيسان. ونقل أبو البقاء عن الأخفش وغيره أنها نكرةٌ غيرُ موصوفةٍ، و " رحمةٍ " بدلٌ منها، كأنه أَبْهم ثم بَيَّن بالإِبدال. وجَوَّز بعضُ الناس ـ وعَزاه الشيخ لابن خطيب الريّ ـ أنَّ " ما " استفهاميةٌ للتعجب تقديرُه: فبأي رحمةٍ لِنْتَ لهم، وذلك فإنَّ جنايتَهم لَمَّا كانت عظيمة ـ ثم إنه ما أظهر تغليظاً في القول ولا خشونةً في الكلام ـ علموا أنَّ ذلك لا يتأتَّى إلا بتأييد ربَّاني قبلَ ذلك. وردَّ عليه الشيخ هذا بأنه لا يَخْلُو: إمَّا أَنْ تُجْعَلَ " ما " مضافةً إلى " رحمة " ، وهو ظاهرُ تقديرِه كما حكاه عنه، فيَلْزَمُ إضافةُ " ما " الاستفهاميةِ، وقد نَصُّوا على أنه لا يُضاف من أسماءِ الاستفهام إلا " أيّ " اتفاقاً، و " كم " عند الزجاج ، وإمَّا أَنْ لا تجعلَها مضافةً، فتكونُ " رحمةٍ " بدلاً منها، وحينئذ يلزمُ إعادةُ حرف الاستفهام في البدل كما تقرَّر في علم النحو، وأنحى عليه في كلامه فقال: " وليته كان يُغْنيه عن هذا الارتباكِ والتسلُّقِ إلى ما لا يُحْسِنُه قولُ الزجاج في " ما " هذه إنها صلةٌ فيها معنى التوكيد بإجماع النحويين " انتهى.

وليس لقائلٍ أن يقولَ له: أَنْ يجعلَها غيرَ مضافةٍ ولا يجعلَ " رحمة " بدلاً حتى يلزمَ إعادةُ حرفِ الاستفهامِ بل يَجْعَلُها صفةً؛ لأنَّ " ما " الاستفهامية لا تُوصف، وكأنَّ مَنْ يَدَّعي فيها أنها غيرُ مزيدةً يَفِرُّ من هذه العبارة في كلام الله تعالى، وإليه ذهب أبو بكر الزبيدي، كان لا يُجَوِّزُ أن يقال في القرآن: " هذا زائدٌ " أصلاً. وهذا فيه نظرٌ، لأنَّ القائلين بكون هذا زائداً لا يَعْنُون أنه يجوزُ سقوطُه ولا أنه مهمل لا معنى له، بل يقولون: زائدٌ للتوكيد، فله أُسْوَةٌ بسائر ألفاظ التوكيد الواقعة في القرآن، و " ما " كما تزاد بين الباءِ ومجرورِها تزاد أيضاً بين " عَنْ " و " مِنْ " والكاف ومجرورها كما سيأتي.

وقال مكي: " ويجوز أن ترتفعَ " رحمةٍ " على أَنْ تَجْعَلَ " ما " بمعنى الذي، وتُضْمِرَ " هو " في الصلة وتَحْذِفَها كما قرىء: { تَمَاماً عَلَى ٱلَّذِيۤ أَحْسَنُ }.

السابقالتالي
2