الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }

قوله تعالى: { وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ }: اللامُ هي الموطِّئةُ لقسمٍ محذوف، وجوابُه قولُه: { لَمَغْفِرَةٌ } وحُذِفَ جوابُ الشرطِ لسدِّ جوابِ القسمِ مَسَدَّه لكونِه دالاًّ عليه، وهو الذي عَنَاه الزمخشري بقوله: " وهو سادٌّ مسدَّ جوابِ الشرط " ولا يعني بذلك أنَّه من غيرِ حذفٍ. واللام لام الابتداء، وهي وما بعدها جواب القسم كما تقدم.

و " مغفرةٌ " فيها وجهان، أظهرهُما: أنها مرفوعةٌ بالابتداء، والمسوِّغات هنا كثيرة: لام الابتداء والعطف عليها في قوله: { وَرَحْمَةٌ } ووصفُها، فإنَّ قوله: { مِّنَ ٱللَّهِ } صفةٌ لها، ويتعلق حينئذٍ بمحذوف، و { خَيْرٌ } خبرٌ عنها. والثاني: أن تكونَ مرفوعة على خبر ابتداء مضمر، إذا أُريد بالمغفرةِ والرحمةِ القتلُ أو الموتُ في سبيل الله، لأنهما مقترنان بالموتِ في سبيلِ الله، فيكونُ التقدير: فذلك ـ أي الموتُ أو القتلُ في سبيلِ الله ـ مغفرةٌ ورحمةٌ خير، ويكون " خير " صفةً لا خبراً، وإلى هذا نحا ابن عطية فإنه قال: " وتحتمل الآية أن يكونَ قولُه: { لَمَغْفِرَةٌ } إشارةً إلى الموت أو القتل في سبيل الله، فَسَمَّى ذلك مغفرةً ورحمة، إذ هما مقترنان به، ويجيء التقدير: فذلك مغفرةٌ ورحمة، وترتفعُ المغفرةُ على خبر الابتداء المقدر، وقوله: " خير " صفةٌ لا خبرٌ ابتداء " انتهى. ولكنَّ الوجهَ الأولَ أظهرُ، و " خير " هنا على بابِها من كونِها للتفضيلِ، وعن ابن عباس: " خيرٌ من طِلاع الأرض ذهبةً حمراءَ ".

وقوله: { وَرَحْمَةٌ } أي: ورحمةٌ من الله، فَحُذِفَتْ صفتُها لدلالة الأولى عليها، ولا بُدَّ من حَذْفٍ آخر مُصَحِّحٍ للمعنى، تقديرُه: لمغفرة من الله لكم ورحمةً منه لكم. وجاء بالمغفرةِ والرحمةِ نكرتين إيذاناً بأنَّ أَدنى خيرٍ وأقلَّ شيء خيرٌ من الدنيا وما فيها الذي يجمعونه، وهو نظيروَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } [التوبة: 72]، والتنكيرُ قد يُشْعِرُ بالتقليل، و " ما " في قولِه { مِّمَّا يَجْمَعُونَ } موصولةٌ اسميةٌ والعائدُ محذوفٌ، ويجوز أن تكونَ مصدريةً، وعلى هذا فالمفعولُ محذوفٌ أي: مِنْ جَمْعِكم المالَ ونحوه.