الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَٱللَّهُ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

قولُه تعالى: { إِذَا ضَرَبُواْ }: " إذا " ظرفٌ مستقبل فلذلك اضطربت أقوالُ المُعْرِبين هنا من حيث إنَّ العاملَ فيها: " قالوا " وهو ماضٍ، فقال الزمخشري: " فإنْ قلت: كيف قيل: " إذا ضَرَبوا " مع " قالوا "؟ قلت: هو حكايةٌ حالٍ ماضيةٍ كقولك " حين يضربون في الأرض ". وقال أبو البقاء بعد قوله قريباً من قول الزمخشري: " ويجوز أن يكونَ " كفروا " و " قالوا " ماضيين، ويرادُ بهما المستقبلُ المحكيُّ به الحالُ، فعلى هذا يكون التقديرُ: يكفرون ويقولون " انتهى. ففي كِلا الوجهين حكايةٌ حالٍ، لكنْ في الأولِ حكايةٌ حالٍ ماضيةٍ، وفي الثاني مستقبلةٌ، وهو من هذه الحيثيَّةِ كقوله تعالى:حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [البقرة: 214] وقد تقدَّم. ويجوزُ أَنْ يُراد بـ " قال " الاستقبالُ لا على سبيلِ الحكاية، بل لوقوعِه صلةً لموصولٍ، وقد نَصَّ بعضُهم على أنَّ الماضيَ إذا وقَع صلةً لموصولٍ صَلَح للاستقبال نحو:إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ } [المائدة: 34]، وإلى هذا نحا ابن عطية، قال: " ودخلت إذا ـ وهي حرف استقبال ـ من حيث " الذين " اسمٌ مُبْهَمٌ يَعُمُّ مَنْ قَال في الماضي ومَنْ يقول في الاستقبال، ومِنْ حيث هذه النازلةُ تُتَصَوَّرُ في مستقبلِ الزمان " يعني فتكون حكايةَ حالٍ مستقبلة.

وقيل: " إذا " بمعنى " إذْ " وليس بشيء. وقَدَّرَ الشيخ مضافاً محذوفاً هو عاملٌ في " إذا " تقديرُه: " وقالوا لهلاكِ إخوانهم " أي مخافةَ أن يَهْلَكَ إخوانُهم إذا سافروا أو غزَوا، فقدَّر العاملَ مصدراً مُنْحَلاًّ لـ " أَنْ " والمضارع حتى يكونَ مستقبلاً قال: " ولكنْ يصيرُ الضميرُ في قوله: { لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا } عائداً على " إخوانهم " في اللفظ وهو لغيرهم في المعنى أي: يعودُ على إخوانٍ آخرين وهم الذي تقدَّمَ موتُهم بسببِ سفرٍ أو غزو، وقَصْدُهم بذلك تثبيطُ الباقين، وهو نظيرُ: " درهمٌ ونصفه " ،وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ } [فاطر: 11] وقول النابغة:
1477ـ قالَتْ: ألا ليتما هذا الحمامُ لنا     إلى حمامتِنا ونصفُه فَقَدِ
أي. نصفُ درهمٍ آخرَ، ومُعَمَّرٍ أخرَ، وحمامٍ آخرَ ".

واللامُ في " لإِخوانهم " للعلةِ، وليسَتْ هنا للتبليغ كالتي في قولِك: " قلت لزيدٍ: افعل كذا ".

والجمهورُ على " غُزَّى " بالتشديد جمع " غازٍ " وقياسُه: غُزَاة كرام ورُماة، ولكنهم حَمَلوا المعتلَّ على الصحيح في نحو: ضارِب وضُرَّب، وصائم وصُوَّم. والزهري والحسن: " غُزَى " بتخفيفها، وفيه وجهان: أنه خَفَّف الزايَ كراهيةَ التثقيلِ في الجمعِ. والثاني: أنَّ أصلَه " غُزاة " كقُضاة ورُماة، ولكنه حَذَفَ تاءَ التأنيث، لأنَّ نفسَ الصيغةِ دالَّة على الجمعِ، فالتاءُ مستغنىً عنها.

السابقالتالي
2 3