قولُه تعالى: { إِذَا ضَرَبُواْ }: " إذا " ظرفٌ مستقبل فلذلك اضطربت أقوالُ المُعْرِبين هنا من حيث إنَّ العاملَ فيها: " قالوا " وهو ماضٍ، فقال الزمخشري: " فإنْ قلت: كيف قيل: " إذا ضَرَبوا " مع " قالوا "؟ قلت: هو حكايةٌ حالٍ ماضيةٍ كقولك " حين يضربون في الأرض ". وقال أبو البقاء بعد قوله قريباً من قول الزمخشري: " ويجوز أن يكونَ " كفروا " و " قالوا " ماضيين، ويرادُ بهما المستقبلُ المحكيُّ به الحالُ، فعلى هذا يكون التقديرُ: يكفرون ويقولون " انتهى. ففي كِلا الوجهين حكايةٌ حالٍ، لكنْ في الأولِ حكايةٌ حالٍ ماضيةٍ، وفي الثاني مستقبلةٌ، وهو من هذه الحيثيَّةِ كقوله تعالى:{ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [البقرة: 214] وقد تقدَّم. ويجوزُ أَنْ يُراد بـ " قال " الاستقبالُ لا على سبيلِ الحكاية، بل لوقوعِه صلةً لموصولٍ، وقد نَصَّ بعضُهم على أنَّ الماضيَ إذا وقَع صلةً لموصولٍ صَلَح للاستقبال نحو:{ إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ } [المائدة: 34]، وإلى هذا نحا ابن عطية، قال: " ودخلت إذا ـ وهي حرف استقبال ـ من حيث " الذين " اسمٌ مُبْهَمٌ يَعُمُّ مَنْ قَال في الماضي ومَنْ يقول في الاستقبال، ومِنْ حيث هذه النازلةُ تُتَصَوَّرُ في مستقبلِ الزمان " يعني فتكون حكايةَ حالٍ مستقبلة. وقيل: " إذا " بمعنى " إذْ " وليس بشيء. وقَدَّرَ الشيخ مضافاً محذوفاً هو عاملٌ في " إذا " تقديرُه: " وقالوا لهلاكِ إخوانهم " أي مخافةَ أن يَهْلَكَ إخوانُهم إذا سافروا أو غزَوا، فقدَّر العاملَ مصدراً مُنْحَلاًّ لـ " أَنْ " والمضارع حتى يكونَ مستقبلاً قال: " ولكنْ يصيرُ الضميرُ في قوله: { لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا } عائداً على " إخوانهم " في اللفظ وهو لغيرهم في المعنى أي: يعودُ على إخوانٍ آخرين وهم الذي تقدَّمَ موتُهم بسببِ سفرٍ أو غزو، وقَصْدُهم بذلك تثبيطُ الباقين، وهو نظيرُ: " درهمٌ ونصفه " ،{ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ } [فاطر: 11] وقول النابغة:
1477ـ قالَتْ: ألا ليتما هذا الحمامُ لنا
إلى حمامتِنا ونصفُه فَقَدِ
أي. نصفُ درهمٍ آخرَ، ومُعَمَّرٍ أخرَ، وحمامٍ آخرَ ". واللامُ في " لإِخوانهم " للعلةِ، وليسَتْ هنا للتبليغ كالتي في قولِك: " قلت لزيدٍ: افعل كذا ". والجمهورُ على " غُزَّى " بالتشديد جمع " غازٍ " وقياسُه: غُزَاة كرام ورُماة، ولكنهم حَمَلوا المعتلَّ على الصحيح في نحو: ضارِب وضُرَّب، وصائم وصُوَّم. والزهري والحسن: " غُزَى " بتخفيفها، وفيه وجهان: أنه خَفَّف الزايَ كراهيةَ التثقيلِ في الجمعِ. والثاني: أنَّ أصلَه " غُزاة " كقُضاة ورُماة، ولكنه حَذَفَ تاءَ التأنيث، لأنَّ نفسَ الصيغةِ دالَّة على الجمعِ، فالتاءُ مستغنىً عنها.