قوله تعالى: { صَدَقَكُمُ }: " صَدَقَ " يتعدَّى لاثنين، أحدهما بنفسِه والآخرُ بالحرفِ، وقد يُحْذَفُ كهذهِ الآيةِ، والتقدير: صَدَقَكم في وعدِه كقولهم: " صدقتُه الحديث " ، و " في الحديث ". و " إذ تَحُسُّونهم " معمولٌ لـ " صَدَقَكم " أي: صَدَقَكم في ذلك الوقت، وهو وقتُ حَسِّهم أي قَتْلِهم. وأجاز أبو البقاء أن يكون معمولاً للوعد في قوله: " وعدَه " ، وفيه نظرٌ لأنَّ الوعدَ متقدم على هذا الوقت. يقال: " حَسَسْتُه أَحُسُّه " أي: قتلتُه. وقرأ أبو عبيد: " تُحِسُّونهم " رباعياً أي: أذهبتم حِسَّهم بالقتل. و " بإذنه " متعلِّقٌ بمحذوفٍ لأنه حال من فاعل " تُحِسُّونهم " أي: تقتلونهم مأذوناً لكم في ذلك/. قوله: { حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ } في " حتى " هذه قولان، أحدهما: أنها حرف جر بمعنى " إلى " وفي متعلَّقها حينئذ ثلاثة أوجه: أحدها: أنها متعلقةٌ بـ " تَحُسُّونهم " أي: تقتلونهم إلى هذا الوقت. والثاني: أنها متعلقةٌ بـ " صدقكم " ، وهو ظاهرُ قول الزمخشري قال: " ويجوز أن يكونَ المعنى: صَدَقَكم اللهُ وعدَه إلى وقت فشلكم ". والثالث: أنها متعلقةٌ بمحذوفٍ دَلَّ عليه السياق، قال أبو البقاء: " تقديره: دامَ لكم ذلك إلى وقتِ فشلكم ". القول الثاني: أنها حرفُ ابتداءٍ داخلةٌ على الجملة الشرطية، و " إذا " على بابها من كونها شرطية، وفي جوابها حينئذ ثلاثة أوجه، أحدها: أنه " وتنازعتم " قال الفراء: " وتكونُ الواوُ زائدةً ". والثاني: أنه " ثُمَّ صَرَفَكُم " و " ثُمَّ " زائدةٌ، وهذا القولان ضعيفان جداً. والثالث ـ وهو الصحيح ـ: أنه محذوفٌ، واختلفت عبارتهم في تقديره، فقدَّره ابن عطية: " انهزمتم " ، وقَدَّره الزمخشري: " مَنَعَكم نَصْرَه " ، وقَدَّره أبو البقاء: " بان لكم أمرُكم " ، ودل على ذلك قوله: { مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ } ، وقَدَّره غيره: " امتُحِنْتُم " ، وقَدَّره الشيخ: " انقسمتم إلى قسمين، وَيَدُلُّ عليه ما بعده، وهو نظير:{ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ } [لقمان: 32]. قال الشيخ: " لا يُقال كيف يقال: انقسمتم إلى مريدِ الدنيا وإلى مريد الآخرة فيمَنْ فَشِل وتنازع وعصى؛ لأنَّ هذه: الأفعالَ لم تصدُرْ من كلِّهم بل من بعضِهم ". واختلفوا في " إذا " هذه، هل هي على بابها أم بمعنى " إذ "؟ والصحيح الأول سواءً قلنا إنها شرطيةً أم لا. قوله: { ثُمَّ صَرَفَكُمْ } عطفٌ على ما قبله، والجملتان من قوله: { مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ } اعتراضٌ بين المتعاطفين. وقال أبو البقاء: " ثم صرفكم " معطوفٌ على الفعل المحذوف " يعني الذي قَدَّره جواباً للشرط، ولا حاجة إليه. " وليبتليَكم " متعلِّقٌ بـ " صرفكم " و " أََنْ " مضمرةٌ بعد اللام.