الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ بِمَآ أَشْرَكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَىٰ ٱلظَّالِمِينَ }

قوله تعالى: { سَنُلْقِي }: الجمهورُ بنون العظمة وهو التفات من الغيبة في قوله: { وَهُوَ خَيْرُ ٱلنَّاصِرِينَ } ، وذلك لتنبيه على عِظَم ما يُلقيه تعالى. وقرأ أيوب السختياني: " سيُلقي " بالغيبة جَرْياً على الأصل. وقُدِّم المجرورُ على المفعول به اهتماماً بذكر المحلِّ قبل ذِكْرِ الحالِّ. والإِلقاء هنا مجاز لأن أصله في الأجرام، فاستعير هنا كقوله:
1463ـ هما نَفَثا في فِيِّ مِنْ فَمَوَيْهِما     على النابحِ العاوي أشدُّ رِجامِ
وقرأ ابن عامر والكسائي: " الرُّعُب " و " رُعُباً " بالضم، والباقون بالإِسكان. فقيل: لغتان، وقيل: الأصلُ الضمُّ وخُفِّف، وهذا قياسٌ مُطَّرد، وقيل: الأصلُ السكونُ، وضُمَّ إتباعاً كالصُّبْح والصُّبُح، وهذا عكسُ المعهودِ من لغةِ العرب.

[والرعبُ: الخَوْفُ. يقال: رَعَبْتُه فهو مَرْعُوب، وأصلُه من الامتلاء، يقال: رَعَبْتُ الحوض أي: ملأتُه، وسيل راعِب، أي: ملأ الوادي. والسلطان: الحُجَّة والبرهان، واشتقاقُه: إمَّا مِنْ سَلِيط السِّراج الذي يُوقَدُ به......، لإِنارتِه ووضوحه، وإمَّا من السَّلاطة وهي الحِدَّةُ والقَهْر].

و { فِي قُلُوبِ } متعلِّقٌ بالإِلقاءِ. وكذلك { بِمَآ أَشْرَكُواْ } ، ولا يَضُرُّ تعلُّق الحرفين لاختلافِ معناهما، فإنَّ " في " للظرفية والباءَ للسببية. و " ما " مصدريةٌ. و " ما " الثانيةٌ مفعولٌ به لـ " أشْركوا " ، وهي موصولةٌ بمعنى الذي، أو نكرةٌ موصوفة. والراجعُ الهاءُ في " به " ، ولا يجوز أن تكونَ مصدريةً عند الجمهور لعَوْد الضمير عليها. وتَسَلَّط النفيُ على الإِنزال لفظاً والمقصودُ نفيُ السلطان، أي: الحُجَّة، كأنه قيل: لا سلطانَ على الإِشراكِ فَيُنَزَّلَ كقوله:
1464ـ.......................     ولا تَرَى الضَبَّ بها يَنْجَحِرْ
أي: لا ينجحر الضبُّ بها فيُرى، وقولِه:
1465ـ على لاحِبٍ لا يُهْتَدَى بمَنارِه     ........................
أي: لا منارَ له فيُهْتدى به، فالمعنى على نفيِ السلطان والإِنزالِ معاً. و " سلطاناً " مفعول لـ " يُنَزِّل ".

وقوله: { وَبِئْسَ مَثْوَىٰ ٱلظَّالِمِينَ } المخصوصُ بالذمِّ محذوفٌ أي: مثواهم، أو النار. والمَثْوى: مَفْعَل من ثَوَيْتُ أي: أَقَمْتُ، فلامه ياء، وقُدِّم المأوى ـ وهو المكان الذي يَأْوي إليه الإِنسان ـ على المَثْوى ـ وهو مكانُ الإِقامةِ، لأنه على الترتيبِ الوجودي يأوي ثم يَثْوي، ولا يلزم من المأوى الإِقامةُ، بخلافِ عَكْسِه.