الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللهِ كِتَٰباً مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي ٱلشَّٰكِرِينَ }

قوله تعالى: { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ }: " أًَنْ تموتَ " في محل رفع اسماً لـ " كان ". و: " لنفس " خبرٌ مقدم فيتعلَّقُ بمحذوف و { إِلاَّ بِإِذْنِ الله } حالٌ من الضمير في " تموت " فيتعلَّقُ بمحذوفٍ، وهو استثناء مفرغ، والتقدير: وما كان لها أن تموت إلا مأذوناً لها، والباء للمصاحبة.

وقال أبو البقاء: و { إِلاَّ بِإِذْنِ الله } الخبر، واللامُ للتبيينِ متعلقةٌ بـ " كان ". وقيل: هي متعلقةٌ بمحذوفٍ تقديرُه: الموتُ لنفس، و " أن تموت " تبيينٌ للمحذوفِ، ولا يجوز أَنْ تتعلَّقَ اللامُ بـ " تموت " لِما فيه من تقديمِ الصلةِ على الموصولِ ". وقال بعضُهم: " إنَّ " كان " زائدةٌ فيكونُ " أَنْ تموتَ " مبتدأ، و " لنفسٍ " خبره ". وقال الزجاج: " تقديرُه: وما كانت نفسٌ لتموتَ، ثم قُدِّمَتِ اللامُ " فجُعِل ما كان اسماً لـ " كان " وهو " أن تموتَ " خبراً لها، وما كان خبراً وهو " لنفسٍ " اسماً لها. فهذه خمسةُ أقوالٍ، أظهرُها الأول.

أمَّا قولُ أبي البقاء " واللامُ للتبيين فتتعلَّقُ بمحذوفٍ " ففيه نظرٌ من وجهين، أحدُهما: أنَّ " كان " الناقصةَ لا تعمل في غيرِ اسمِها وخبرِها، ولئِنْ سُلِّم ذلك فاللامُ التي للتبيين إنما تتعلَّقُ بمحذوفٍ، وقد نَصُّوا على ذلك في نحوِ: " سُقياً لك ".

وأمَّا مَنْ جَعَل " لنفسٍ " متعلقةً بمحذوفٍ تقديرُه: " الموتُ لنفسٍ " ففاسِدٌ لأنه ادَّعى حَذْفَ شيءٍ لا يجوزُ، لأنه إنْ جَعَل " كان " تامةً أو ناقصةً امتنع حَذْفُ مرفوعِها لأنَّ الفاعلَ لا يُحْذَفُ، وأيضاً فإنَّ فيه حَذْفَ المصدر وإبقاءَ معمولِه وهو لا يجوزُ. وكذلك قولُ مَنْ جَعَلَ " كان " زائدةً. وأمَّا قولُ الزجاجِ فإنَّه تفسيرُ معنىً لا إعرابٍ فتعودُ الأقوالُ أربعةً/.

قوله: { كِتَاباً مُّؤَجَّلاً } في نصبِه ثلاثةُ أوجهٍ، أظهرُها: أنه مصدرٌ مؤكِّد لمضمونِ الجملة التي قبلَه، فعاملُه مضمرٌ تقديرُه: " كَتَب الله ذلك كتاباً " ، نحو:صُنْعَ ٱللَّهِ } [النمل: 88]وَعْدَ ٱللَّهِ } [النساء: 122]، وكِتَابَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } [النساء: 24]. والثاني: أنه منصوبٌ على التمييزِ. ذكره ابنُ عطية، وهذا غيرُ مستقيمٍ؛ لأنَّ التمييزَ منقولٌ وغيرُ منقولٍ، وأقسامُه محصورةٌ وليس هذا شيئاً منها. وأيضاً فأين الذاتُ المبهمةُ التي تحتاج إلى تفسير. والثالثُ: أنه منصوب على الإِغراءِ، والتقديرُ: الزَموا كتاباً مؤجلاً وآمِنوا بالقدر، وليس المعنى على ذلك.

وقرأ ورش: " مُوَجَّلاً " بالواوِ بدلَ الهمزةِ وهو قياسُ تخفيفِها.

قوله: { وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ } " مَنْ " مبتدأُ وهي شرطيةٌ. وفي خبرِ هذا المبتدأِ الخلافُ المشهورُ. وأَدْغم أبو عمرو وحمزة والكسائي وابن عامر ـ بخلافٍ عنه ـ دالَ " يُرِدْ " في الثاء، والباقون بالإِظهار.

السابقالتالي
2