الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ ٱلصَّابِرِينَ }

قوله تعالى: { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ }: في " أم " هذه أوجهٌ أظهرُها: أنها منقطعةٌ مقدَّرة بـ " بل " وهمزةِ الاستفهام، ويكون معناه الإِنكارَ. وقيل: " أم " بمعنى الهمزةِ وحدَها، ومعناه كما تقدَّم: التوبيخُ والإِنكارُ، وقيل: هذا استفهامٌ معناه النهيُ قاله أبو مسلم الأصفهاني. وقيل: هي متصلةٌ. قال ابن بحر: " هي عديلةُ همزةٍ تتقدَّر مِنْ معنى ما تقدَّم، وذلك أنَّ قولَه: { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ } { وَتِلْكَ ٱلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا } إلى آخر القصةِ يقتضي أن يَتَبَع ذلك: أتعلمون أنَّ التكليف يُوجِبُ ذلك أم حسبتم. و " حَسِبَ " هنا على بابها من ترجيحِ أحد الطرفين. و { أَن تَدْخُلُواْ } سادٌّ مسدَّ المفعولين على رأيِ سيبويه ومسدَّ الأولِ، والثاني محذوفٌ على رأيِ الأخفش.

قوله: { وَلَمَّا يَعْلَمِ } جملةٌ حالية. وقال الزمخشري: " ولَمَّا بمعنى " لم " إلاَّ أنَّ فيه ضَرْباً من التوقع، فدل على نفي الجهاد فيما مضى وعلى توقعه فيما يُستقبل. وتقول: " وعدني أن يفعل كذا ولَمَّا " تريد: " ولَمْ يَفْعَلُ وأنا أتوقع فِعْلَه ". قال الشيخ: " وهذا الذي قاله في " لَمَّا ": أنها تَدُلُّ على توقُّع الفعلِ المنفيِّ بها فيما يُستقبل لا أَعْلَمُ أحداً من النحويين ذَكَره، بل ذكروا أنك إذا قلتَ: " لَمَّا يخرج زيد " دَلَّ ذلك على انتفاء الخروج فيما مضى متصلاً نَفْيُه إلى وقت الإِخبار، أمَّا أنَّها تدلُّ على توقُّعِهِ في المستقبل فلا، لكنني وجدت في كلام الفراء شيئاً يقارب ما قاله الزمخشري، قال: " لَمَّا " لتعريضِ الوجودِ بخلافِ " لم " ". قلت: " والنَّحْويون إنما فَرَّقوا بينهما مِنْ جهة أنَّ المنفيَّ بـ لَمْ " هو فعلٌ غيرُ مقرونٍ بـ " قد " و " لَمَّا " نفيٌ له مقروناً بها، وقد تَدُلُّ على التوقع، فيكونُ كلامُ الزمخشري صحيحاً من هذه الجهةِ، ويَدُلُّ على ما قلته من كونِ " لم " لنَفْيِ فَعَل، و " لَمَّا " لنفي قد فَعَل نصُّ النحاة على ذلك: سيبويه فَمَنْ دونَه. وقد تقدم نظير هذه الآية في البقرة وتحقيقُ القول فيها بما يُغْني عن إعادتِه فعليك بالالتفات إليه.

وقوله: " منكم " حالٌ من " الذين ". و { وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ } بكسرِ الميمِ على أصلِ التقاء الساكنين. وقرأ النخعي وابن وثاب بفتحها. وفيها وجهان. أحدهما: أنَّ الفتحةَ فتحةُ إتباعٍ، أتبعَ الميمَ للام قبلها والثاني: أنه على إرادةِ النونِ الخفيفةِ، والأصلُ: " ولَمَّا يَعْلَمَنْ " والمنفيُّ بـ لَمَّا قد جاء مؤكداً بها كقوله:
1447ـ يَحْسَبُه الجاهلُ ما لم يَعْلما     شيخاً على كُرْسِيِّه مُعَمَّماً
فلمَّا حَذَفَ النونَ بقي آخرُ الفعل مفتوحاً كقوله:

السابقالتالي
2