الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ ٱلْكَافِرِينَ }

وقوله تعالى: { وَلِيُمَحِّصَ }: معطوفٌ على " لِيَعْلَمَ " وتكونُ الجملةُ من قولِه: { وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ } جملةً معترضةً بين هذه العللِ. والتمحيصُ: التخليص من الشيء، وقيل: المَحْص كالفحص، ولكنّ الفحصَ يقال في إبراز شيء من أثناء ما يَخْتلط به وهو منفصل، والمَحْصُ يُقال في إبرازه عمَّا هو متصلٌ به، يقال: مَحَصْتُ الذهبَ ومَحَّصْتُه إذا أزلتُ عنه ما يَِشُوبه من خَبَثٍ. ومَحَصَ الثوبَ: إذا أَزال عنه زِئْبَرَه، ومحص الحَبْلُ أي أخلق حتى ذهب عنه زِئْبَرُه، ومَحَص الظبيُ: عدا، فَمَحَصَ بالتخفيفِ يكون قاصراً ومتعدِّياً، هكذا رَوَى الزجاج هذه اللفظةَ: " الحَبْل " ، ورواها النقاش: " مَحَصَ الجملُ " إذا ذهبَ وَبَرُه/ وأَمْلَسَ، والمعنيان واضحان.

وقال الخليل: " التمحيص: التخليصُ من الشيء المَعِيب. وقيل: هو الابتلاءُ والاختبارُ " وأنشد:
1443ـ رأيْتُ فُضَيْلاً كان شيئاً مُلَفَّفَاً     فكشَّفَه التمحيصُ حتى بداليا
وروى الواحدي عن المبرد بسند متصلٍ: مَحَص الحبلُ يَمْحَصُ مَحْصاً إذا ذهب زِئْبَرُه حتى تَمَلَّص، وحَبْلٌ محيصٌ ومليص بمعنى واحد. قال: " يُسْتَحَبُّ في الفرس أن تَمَحَصَ قوائمُه أي: تَخْلُص، وأنشد ابن الأنباري على ذلك يصف فرساً:
1444ـ صُمِّ النُّسورِ صِحاحٍ غيرِ عاثِرَةٍ     رُكِّبْنَ في مَحِصاتٍ مُلْتَقَى العَصَبِ
أي: في قوائمَ متجرداتٍ من اللحم ليس فيها إلا العَظْمُ والعَصَبُ والجِلْد. قال المبردُ: " ومعنى قولِ الناس: " مَحِّصْ عَنَّا ذنوبنا " أي أَذْهِبْ ما تعلَّق بنا من الذنوب ". قال الواحدي: " وهذا الذي قاله المبرد تأويلُ المَحَصِ بفتح الحاء وهو واقعٌ، والمَحْص بسكونِ الحاء مصنوعٌ، قال الخليل: " يقال مَحَصْتُ الشيءَ أَمْحَصُه مَحَصاً إذا أَخْلَصْتَه من كلِّ عيب " وفي جَعْلِه تسكينَ الحاءِ مصنوعاً نظرٌ، لأنَّ أهلَ اللغةِ نَقَلُوه ساكنها، وهو قياسُ مصدر الثلاثي. ومَحَصْتُ السيفَ والسِّنان: جَلَوْتُهما حتى ذهب صَدَؤُهما. قال أسامة الهذلي:
1445ـ وشَقُّوا بمَمْحوص السِّنانِ فؤادَه     ...........................
أي: بمَجْلُوِّ، ومنه استعير ذلك في وَصْفِ الحبل بالملاسَةِ والبَريق. قال رؤبة يصف فرساً:
1446ـ شديدُ جَلْزِ الصُّلْبِ مَمْحُوصُ السَّوَى   
والسَّواء: الظهر، قَصَره ضرورةً، سُمِع: " فَعَلْتُه حتى انقطع سَواي " أي ظهري. وقد تقدَّمت مادة " مَحَق " في البقرة.