الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ مِنَ ٱلنِّسَاءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَاطِيرِ ٱلْمُقَنْطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ وَٱلأَنْعَامِ وَٱلْحَرْثِ ذٰلِكَ مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ ٱلْمَآبِ }

قوله تعالى: { زُيِّنَ لِلنَّاسِ }: العامةُ على بنائِهِ للمفعول، والفاعلُ المحذوفُ هو اللهُ تعالى؛ لِمَا رَكَّب في طباع البشر من حُبِّ هذه الأشياء، وقيل: هو الشيطانُ، عن الحسن: " مَنْ زَيَّنَها؟ إنما زيَّنها الشيطان لأنه لا أحدَ أبغضُ لها مِنْ خالقها ".

وقرأ مجاهد: " زَيَّن " مبنياً للفاعل، " حُبَّ " مفعول به نصاً، والفاعلُ: إمَّا ضمير الله تعالى لتقدُّم ذكرِهِ الشريفِ في قوله تعالى:وَٱللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ } [آل عمران: 13]، وإمَّا ضميرُ الشيطان، أُضْمِرَ وإنْ لم يَجْرِ له ذِكْرٌ، لأنه أصلُ ذلك، فَذِكْرُ هذه الأشياءِ مؤذنٌ بِذِكْرِهِ. وأضافَ المصدرَ لمفعولِهِ في " حُبّ الشهوات ".

والشَّهوات: جمعُ " شَهْوة " بسكون العين، فَحُرِّكَت في الجمع، ولا يجوزُ التسكينُ إلا في ضرورةٍ كقولهِ:
1194ـ وَحُمِّلْتُ زَفْرَاتِ الضحى فَأَطَقْتُها     ومالي بزَفْرَات العَشِيِّ يَدَانِ
بتسكين الفاء. والشهوةُ: مصدرٌ يُراد به اسمُ المفعولِ أي: المُشْتَهَيَات فهو من باب: رجلٌ عَدْلٍ، حيث جُعِلَتْ نفسَ المصدر مبالغةً، والشهوة: مَيْلُ النفس، ويُجْمَعُ على " شَهَوات " ، كالآية الكريمة، وعلى " شُهَى " كغُرَف، قالت امرأة من بني نَضْر بن معاوية:
1195ـ فلولا الشُّهَى واللهِ كنتُ جديرةً     بأَنْ أتركَ اللَّذاتِ في كلِّ مَشْهَدِ
وقال النحويون: لا تُجْمَعُ فَعْله المعتلة اللامِ ـ يَعْنُون بفتحِ الفاء وسكون العين ـ [على فًُعَل] إلا ثلاثةَ ألفاظ: كَوَّة وكُوَى ـ فيمن فَتَحَ كاف " كَوَّة " وقَرْيَة وقُرَى ونَزْوَة ونُزَى، واستدرك الشيخ عليهم هذه اللفظة أيضاً فيَكُنَّ أربعة وأنشد البيت. وقال الراغب: " وقد يُسَمَّى المُشْتَهَى شهوةً، وقد يُقال للقوةِ التي بها تَشْتَهي الشيءَ شهوةً، وقولُه تعالى: { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ } يحتمل الشهوتين.

قوله: { مِنَ ٱلنِّسَاءِ } في محلِّ نصبٍ على الحال من " الشهوات " والتقدير: حالَ كونِ الشهواتِ من كذا وكذا فهي مفسرةٌ لها في المعنى، ويجوز أَنْ تكونَ " مِنْ " لبيان الجنس، ويَدُلُّ عليه قولُ الزمخشري: " ثم يُفَسِّره بهذه الأجناس ".

قوله: { وَٱلْقَنَاطِيرِ } جمع قِنْطار. وفي نونِهِ قولان أحدُهما: ـ وهو قولُ جماعة ـ أنها أصليةُ، وأنَّ وزنَها فِعْلال كحِمْلاَق وقِرْطاس. والثاني أنها زائدةٌ ووزنه فِنعال كقِنْعَاس ـ وهو الجَمَل الشديد ـ، قيل: واشتقاقه من: قَطَرَ يَقْطُر إذا سال، لأنَّ الذهب والفضةُ يُشَبَّهان بالماء في سرعة الانقلابِ وكثرةِ التقلبِ., وقال الزجاج: " هو مأخوذٌ من قَنْطَرْتُ الشيءَ إذا عَقَدْتَه وأَحْكمته، ومنه: القَنْطَرَةُ لإِحكامِ عَقْدِها ".

قوله: { مِنَ ٱلذَّهَبِ } كقولِهِ: " مِنْ النساء " وقد تقدَّم. والذهب مؤنَّثٌ، ولذلك يُصَغَّر على " ذُهَيْبة " ، ويُجمع على ذَهاب وذُهوب. وقيل: " الذهب " جمعٌ في المعنى لـ " ذَهَبة " ، واشتقاقُه من الذَّهاب. الفضة يُجْمع على فِضَض.

السابقالتالي
2 3 4